دكتور عاصم قصيبي |
حوار: أميرة جمال
نواجه جميعًا العديد من الأفكار المغلوطة المتأصلة في عقولنا حول الكثير من العادات والتقاليد، ونخوض في تنفيذها دون معرفة ما إذا كانت مباحة أم محرمة، فلم تدع لنا الأقاويل من الأمر شيء سوى الشك في كل أمورنا اليومية التي نحياها، لذا توجهنا بالحديث إلى الدكتور عاصم قصيبي، وكيل وزارة الأوقاف ومدير مديرية أوقاف أسيوط، عن بعض هذه الأمور المختلطة في أذهاننا لنوضحها.
- بدايًة، تدور الكثير من المزاعم حول إباحة التبني في الإسلام من تحريمه، فما الصواب في الأمر؟
فاستهل كلامه بالصلاة على النبي الكريم ثم قال " التبنِّي حرام في الإسلام من غير شك، فالإسلام حرَّم التبنِّي"، ثم صمت هنيهة واستكمل قائلًا: " كان التبني معروفًا عند العرب في الجاهلية، وعند الرومان، وعند كثير من الأمم، وكان من حق الإنسان أن يتبنَّى ويُدخل إلى أسرته من يشاء، فجاء الإسلام ورد الأمور إلى نصابها، وأعلنها واضحة في قوله تعالى:( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:5)، لذا لا يجوز للناس أن يغيِّروا الحقائق، فهذا الذي تقول: إنه ابنك. هو في الحقيقة ليس ابنك".
ثم حلق نظره عاليًا وأضاف: " يترتب على أن تنسب إنسانًا لنفسك بأن تتبناه: أحكام كبيرة وكثيرة، فهذا الشخص يصبح أحد أفراد الأسرة، يطَّلِع على زوجتك، ويعتبرها أمه وهي ليست كذلك، ويطلِّع على عورتها، وتطلع هي عليه، وتختلي به، ويختلي بها"، ثم تسائل مستنكرًا " وما موقف هذا الطفل من بناتك اللائي يعتبرهن أخواته؟ وهن في الحقيقة أجنبيات منه، وما الحال في أخواتك وأخوات زوجتك؟ هو يعتبرهن عماته وخالاته، وهن لسن كذلك، ولذلك أبطل القرآن التبني، فالطفل الذي تدَّعيه هو دعيٌّ وليس ابنًا حقيقة، لا يجري في عروقه دمك، ولا دم زوجتك، ولا دم فصيلتك، ولا دم فصيلتها، وأسرتك وأسرتها، فقال تعالى:(وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ) (الأحزاب:4)".
- "صوت المرأة عورة"، ما صحة هذه المقولة دينيًا؟
فابتسم مجيبًا " صوت المرأة ليس بعورة و لا يوجد آية قرآنية في كتاب الله أو حديث صحيح ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول أن صوت المرأة عورة، فما ورد في كتاب الله تعالى هو النهي عن خضوع المرأة بالقول الذي يُطمِع فيها الرجال الأجانب عنها وهذا هو الممنوع بنص الآية الكريمة : «فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا» (الأحزاب:32) ".
دكتور عاصم قصيبي |
- وماذا عن مقولة "ناقصات عقل ودين" التي يرددها البعض؟
أردف قائلًا " هناك من يخطئ في فهم نص حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه ( ما رأيتُ من ناقصات عقٍل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن فقيل: يا رسول الله، ما نقصان عقلها؟ فقال: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى .قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ :بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا "، وهنا بين لنا رسول الله -صلي الله عليه وسلّم- أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تُجبر بشهادة إمرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى، وأما عن نقصان الدين فبسبب الحيض والذي يمنع الطهارة، فمن رحمة الله -جل وعلا- أن شرع لها ترك الصلاة، وهكذا في النفاس، ثم شرع لها أنها لا تقضي؛ لأن في القضاء مشقة كبيرة؛ فالصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات.
– هل وضع الدين حد لزواج القاصرات؟
فسيطرت عليه ملامحه الراحة قائلًا:" رغبت شريعتنا الغراء في الزواج عمومًا للذكر والأنثى على السواء، فهذا وقاية للنفس من الوقوع في براثن المعصية فمتى بلغ الشاب أو الفتاة وكان مؤهلًا لتحمل تبعات الزواج، فالأولى المسارعة بتزويجه متى توافرت فيه الأهلية الكاملة لتحمل أعباء الحياة الزوجية ومتطلباتها، وذلك لقول الله تعالى ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة النور /32"، كما أكد أنَّ الإسلامَ أباحَ زواجَ الولد أو البنتِ إذا وصلَ إلى سنَّ البلوغِ، ويعني ذلكَ صحّةَ زواجِها شرعًا في حالِ وقوعِه، إلا أنه لَم يجعَل ذلكَ على نحوِ الوجوبِ والإلزامِ أو حتّى على نحوِ الأولويّةِ أو الإشادةِ بهِ على نحوِ التّشجيعِ والتّحفيزِ عليه".
واختتم حديثه قائلًا " وأؤكد أن شريعتنا الغراء لم تحدد سنًّا معينا للزواج، وإنما تركت ذلك حسب العرف والتقاليد والظروف البيئية، وهو أمر يختلف بالفعل من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان ومن حضارة إلى حضارة حسب أعراف الناس" مضيفًا أن : "اختلاف طريقة الزواج تعد دليل قاطع على أن الشريعة الإسلامية مرنة وتراعي مصالح الناس، كما نفعل في مصر حفظها الله، حيث حدد القانون سن زواج الفتاة وهو 18 عامًا، وعلى ذلك يعد زواج القاصرات البالغ أعمارهن أقل من 18 سنة مخالف للقانون، مع ضرورة الإشارة إلى أن طبيعة الناس في واقعنا المعاصر اختلفت عن العصور السابقة".