أميرة جمال |
«الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور».. جملة كثيرًا ما تتردد على أسماعنا، ولكنك إذا توقفت برهة وأمعنت النظر بها والتفكير فيها ستدرك حقًا المعنى العميق الذي تريد إيصاله لك، فالكلمات هي أول الأشياء التي تمكنك من هدم شخص أو بناءه، فكلمة جيدة قد تجعلك تحلق عاليًا فوق السحاب وأخرى قد تحبطك وتجعلك تحيا نهارك كليلك لا ترى بهما سوى الظلمة الحالكة، وتأخذك لتأسرك بين قضبانها الشائكة ولن تتحرر منها إذ لم تتحلَ بالعزيمة والتجاهل، إلا أن البعض يتأثر تأثرًا بالغًا بكلمات الآخرين ولا يجد منها مفرًا سوى الاستسلام والضياع في معانيها المميتة القاتلة.
ولا يمكننا إنكار الفروق الفردية بين بني البشر في التعامل مع الآخرين؛ إلا أن الكلمات تعد هي الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان التحكم به، ولعلنا نجد الكثيرين يتمادون في إصابة مشاعر الآخرين بجروح بالغة لا تُشفى آثارها تحت مظلة «الهزار»، لكني لا أرى ذاك «الهزار» سوى وادٍ مليء بالمياة الجارية التي ما إن وطأت قدمك بها إلا وسحبتك ولن تتركك حتى ترى أمواج الموت تلاحقك من كل ناحية؛ فهذا النوع من الترفيهة هو بعينه ما يسمى بـ «التنمر»، لذا ستجد نفسك غارقًا في إحراج مشاعر الآخرين دون دراية منك لمدى المعاناة التي يتكبدونها بسببك.
ولعل وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر الأساليب الفعالة التي حققت نجاحًا ضاربًا في أعماق السماء في نشر ظاهرة التنمر، وبخاصة بين جيل الشباب، إلا أنني لن أضع المسؤولية الكاملة على أعناق تلك الوسائل وحدها؛ فدور الأهل هو عماد التربية الصحيحة، لذا يمكننا القول بأن انهيار منظومة الأخلاقيات التي نعهدها اليوم ما هي إلا نتاجًا لتخلي الآباء عن دورهم في مراقبة وتقويم سلوك الأبناء.
وجملة القول أنه بإمكانك الترفيهة عن نفسك وعن الآخرين دون اللجوء لهذا الأسلوب الوضيع من تقليل شأن الآخرين وانتهاك حرمة مشاعرهم الشخصية، لذا توقف مع ذاتك قليلًا وأسألها ما الذي سيعود عليَّ جرَّاء إحراج شخص والتقليل من شأنه؟ فما تلك الكلمات سوى قيود وأغلال تلتف حول أعناق الآخرين، وقد تحقق مبتغاها الأصلي في إنهاء حياته، ولا تتعجب من أن كلمة قد تميت شخص! فبالفعل تلك الكلمات السلبية التي تحمل معاني التنمر كفيلة بأن تحطم ثقة الأفراد وتدفعهم للانتحار، فبحسب مركز دراسة الأمراض هناك ما يقرب من 45000 حالة وفاة تحدث بسبب الانتحار الناجم عن التنمر كل عام، هنا فقط ستعلم معنى الحديث النبوي الشريف «من كان يؤمن باللّٰه واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت».