مساعد مستشار مفتي الجمهورية |
حوار: أميرة جمال
أقاويلٌ تَرُوحُ وأقاويلٌ تأتي، تُحرم هذا وتُحلل ذاك، ونظل نتخبط في أفكارنا متسائلين هل هي حقًا حلال أم حرام؟ نلتبس في كثيرٍ من الأمور ونحاول التعايش معها لعدم إدراكنا مدى حرمتها في صحيح الدين، نجول في خيالاتنا محاولين الاجتهاد في الحكم على الأمور بنظرة خوف من عصيان الله ـ عزوجل - فمازلنا نحارب الأفكار المغلوطة التي تتخلل معظم أمورنا اليومية، هذا ما دفعنا للتوجه إلى الدكتور أحمد رجب أبو العزم، مساعد مستشار مفتي الجمهورية ومدير مواقع التواصل الاجتماعي بدار الإفتاء المصرية، لنتعرف منه أكثر عن مدى صحة بعض تلك المزاعم والأقاويل.
- بدايًة، ما رأيكم فيمن يتكلمون باسم الدين يحللون ويحرمون ما يشاءون دون الرجوع والاستناد إلى الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية؟
فاستهل حديثه معنا قائلًا « الكلام في الدين عمومًا لابد أن يكون صادرًا من أهل التخصص كما هو الحال في جميع المجالات العلمية أو العملية فلا يمكن لأحدٍ أن يتكلم في الطب إلا إذا كان طبيبًا أو يتكلم في الهندسة إلا إذا كان مهندسًا متمكنًا في مجاله وهذه من المجالات الدنيوية فكيف إذا تعلق الأمر بمجال العلاقة بين العبد وربه؟! لذا لابد أن يكون الأمر أكثر أهمية وخصوصية وأن يصدر الكلام فيها عن المؤهلين وأهل العلم.
لدكتور أحمد رجب أبو العزم |
- كثيرًا ما يتردد على أسماعنا بعض الأقاويل مثل «حرام نفتح المقص»، «حرام نكنس متأخر»، فما رأي الدين في مدى حرمة مثل هذه الأمور؟
صمت برهة ثم استطرد قائلًا " لعلكِ تقصدين مسألة التشاؤم وعلاقة ذلك ببعض الأفعال مثل التي ذكرتيها ومثل «قلب الشبشب حرام» و «نعيق الغراب» ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، ولا شك أن التشاؤم بمثل تلك الأمور أو الاعتقاد في تأثيرها في حياتنا أمر منهي عنه شرعًا؛ لأن الأمور تجري بأسبابها، وبقدرة الله تعالى، والتشاؤم من عادات العرب قديمًا، حيث عُرِف عندهم بـ«التَّطيُّر»، والإسلام جاء ليهدم هذه العادة ويحذر منها".
لدكتور أحمد رجب أبو العزم |
- وما مدى صحة المزاعم التي تحرم تهنئة الأخوة الأقباط في الأعياد والمناسبات الخاصة بهم؟
فابتسم قائلًا " تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بأعيادهم لا مانع منها شرعًا، والتعايش أمر جائز خاصًة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية، وخاصًة إذا كانوا يبادلونهم التهنئة في أعيادهم الإسلامية؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]".
- تدور الكثير من الأقاويل حول حرمة تربية الكلب، فما رأي الدين في ذلك؟
فقال بأن اقتناء الكلاب له حالتان الأولى تتمثل في الاقتناء لغير حاجة أو فائدة، على سبيل الهواية مثلًا أو تقليد الغير، والحالة الثانية تأتي في الاقتناء لحاجة ضرورية كالحراسة مثلًا، ثم تبدلت ملامحه قليلًا وابتسم مضيفًا " وجاء في السنة النبوية الشريفة ترتيب نقص الأجر على اقتناء الكلاب واتخاذها ما لم يكن ذلك لغرضٍ من أغراض الانتفاع التي أباحها الشرع؛ كالصيد والماشية والزرع؛ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:( مَنِ اتَّخَذَ كَلبًا إلَّا كَلبَ ماشِيةٍ أو صَيدٍ أو زَرعٍ انتَقَصَ مِن أَجرِه كُلَّ يَومٍ قِيراطٌ) متفق عليه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفِي رواية أخرى: «قِيراطانِ»".
- وما سبب انتقاص الأجر عند اقتناء الكلب؟
فأسهب قائلًا " ذكر العلماء أن سبب نقصان الأجر هو امتناع الملائكة مِن دخول البيت بسبب الكلب؛ لأن رائحته كريهة، والملائكة تكره الرائحة الخبيثة، وقيل: لِمَا يلحق المارِّين مِن الأذى الناجم عن ترويع الكلب لهم، وقيل: عقوبًة لاتخاذ ما نُهِيَ عن اتخاذه وعصيانه في ذلك، وقيل: لِما يُبتَلى به مِن ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء. "
- وماذا عن اقتناء الصور في المنازل، هل حقًا تطرد الملائكة من البيت؟
فأردف بأن الصور الفوتوغرافية تختلف عن التصوير المنهيّ عنه في الشريعة؛ في معناه اللغوي، وفي حقيقته، وفي علة تحريمه، فالتصوير الفوتوغرافي لا مانع منه شرعًا، وتعليق الصور جائزًا ما لم تشتمل على المحرمات أو كشف العورات أو انتهاك الخصوصيات، إذ النهي عن الصور في البيت إنما جاء مصاحبًا لحرمة التصوير المقصود به مضاهاة خلق الله كوجود التماثيل التي تُعبد من دون الله، وهذه الصور الفوتوغرافية لا تمنع دخول الملائكة في الجملة؛ إمَّا لأنَّ المقصود بالصور التي تمنع دخول الملائكة هي التماثيل التي تُتَّخذ للمضاهاة أو العبادة والتعظيم.
- وما حكم مساعدة غير المسلمين بالمال؟
فصمت هنيهًة ثم أجاب " مساعدة غير المسلمين بشتى أنواع المساعدات لا مانع منها شرعًا حتى إن جماعة من الفقهاء أجازوا دفع الزكاة لغير المسلم إذا كان من مستحقيها؛ استدلالًا بعموم آية مصارف الزكاة التي لم تفرق بين المسلمين وغيرهم؛ والدين الإسلامي ضرب أروع المُثُل في التعاون والتعايش وحسن المعاملة لأصحاب الديانات الأخرى، فمنذ أن تأسست الدولة الإسلامية وتوطدت أركانها، رسَّخت مبدأ المواطنة القائم على التناصر والتآزر والتعاون، وجعلت لرعاياها على مختلف طوائفهم حقوقًا وواجبات من الكفالة والرعاية والحماية، ولم تفرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم».
- يعتقد البعض أن اتباع أسلوب الترهيب في النصح في أمور الدين له مفعول إيجابي، فما رأيكم في ذلك؟
فابتسم ابتسامًة متواضعة ثم قال " هذا النصح لابد أن يكون منضبطًا بضوابط الشرع الشريف، فإذا ما أدى الداعية أو الناصح مهمته بهذه الكيفية، فليترك أمر الاستجابة والهداية لله تعالى فمن يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراطٍ مستقيم، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك)".
مساعد مستشار مفتي الجمهورية |
- يقول البعض بأن النوم في نهار رمضان مستحب، بحجة أنه يجنبهم من إرتكاب المعاصي قولًا وفعلًا، فما رأيكم في ذلك؟
فقال " النوم في نهار في رمضان لا يبطل الصوم، بل لو نام الصائم النهار كله فصومه صحيح، إلا أنه يكون قد فوت على نفسه فضل عظيم؛ ولكن عند السادة المالكيةُ الإكثارَ من النوم في نهار رمضان من المكروهات؛ ولا شك أن ثواب الصائم على قدر مشقته في الصوم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- للسيدة عائشة رضي الله عنها:( إنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ)".
- وأخيرًا، كيف يمكننا تصحيح الأفكار المغلوطة دينيًا؟
فاختتم حديثه قائلًا " تصحيح الأفكار المغلوطة عن الدين يكون باتباع قوله تعالى:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) [النحل: 43]، حيث أرشدنا الشرع الشريف إلى اللجوء إلى ذوي الخبرة وأهل الاختصاص كلٍّ في تخصّصه".