محمد شعير |
هذا مقال قصير، بسيط، لا يحمل فكرة كبرى أو رؤية نافذة، وليس مُهمًا أصلا أن تقرأه!.
هل تَعتبر الآن هذه المقدمة نوعًا من التعالي أم تراها محاولة خبيثة للجذب إلى القراءة؟!.
الحقيقة أنها لا هذا أو ذاك.. هي صادقة.. وسوف أشرح لك.
«الزملاء الصحفيون» في مدونة «وعي»، التي تمثل مشروع التخرج لهم في قسم الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، أرسلوا لي طلب كتابة مقال للمدونة، شارحين أساس فكرتها، عارضين أبرز موادها، مع رابط المدونة للاطلاع عليها.
أول ما يلوح في سمائي، بمجرد ذكر اسم «كلية الإعلام» أو «قسم الصحافة» أو صحيفة «صوت الجامعة» التي يصدرها طلاب القسم، هو مشاعر الشجن، والحنين إلى أيام الأحلام. رابط إنساني خفي، تاريخي، يجمعني بهذه الأسماء، وبأي شخص ينتمي إليها.
لا أصنِّف نفسي مُحكِّمًا، لا أحكم - في الحياة كلها- على أي أحد، لي بالطبع رأيي، أقوله - بأدب- وأمضي، فالكل حر، والكل يتعلم حتى آخر العمر، لكن الآن ما العمل؟!. يبدو الطلب المهذب من الشباب كأنه طلب للدعم، وأنا برغم كوني لا أحكم، لكنني أيضا - في الكتابة بالتحديد- لا أجامل، فكيف سيسير الأمر؟!.
قلت: «حاضر.. سوف أقرأ أولا ثم أرد».. وقرأت.. وفي الحال قررت.
وجدت عملا صحفيا متكاملا، متطورًا، جاذبًا.. لا.. هذه ليست أوصافًا دقيقة.. لا أجيد الحكم.. قلتها من قبل.. بل هو عمل جريء، مقتحم، مثير للجدل؛ جدل الأفكار، المحبب، والمطلوب، والواجب في الصحافة، إنما هو أساس عملها؛ دورها.
«وعي»، هذا هو اسم المدونة، ورسالتها التي تتكشف بيسر بمجرد مطالعة موضوعاتها. طلاب قسم الصحافة؛ «الزملاء الصحفيون» النابهون، اقتحموا المناطق الشائكة، عبروا بالصحافة عما يدور في أذهانهم، طرحوا تساؤلات جيلهم. لم يعد هناك مجال للإخفاء والتعمية والحظر. تفعل «السوشيال ميديا» ذلك في كل وقت، لكنها تفعلها دون عمق، دون فهم، دون وعي. ودور الصحافة أن تبادر إلى دخول المناطق ذاتها، لكن برسالتها، بأسلوبها، بأن تجيب برصانة عن الأسئلة.. وهذا ما فعله الزملاء في «وعي».
هل المسيحيون في النار؟!.. هل ولت عصور الخرافات في الأرياف؟!.. هل التنمر مزاح؟!.. هل تمييز الذكور واجب؟!.. هل تثري الفوارق بين الزوجين علاقتهما أم تهددها؟!.. هذه أمثلة للتساؤلات التي تسعى الموضوعات الصحفية في المدونة إلى الإجابة عنها، لكنها ليست وحدها المهمة.
هناك مناقشات عديدة لكثير من الأفكار المغلوطة، في التربية والتدين، في المجتمع والتاريخ أيضا؛ النظرة إلى المرأة المطلقة، تأخر الزواج أو الإنجاب، تزويج الصغيرات، «الخرزة الزرقا والشبشب المقلوب ومسك الخشب» وعلاقتها جميعا بالنحس والحسد، التبرك بالأولياء والأضرحة، «المنظرة الكذابة» والتفاخر بالثياب الغالية، المرض النفسي والهجرة غير الشرعية والمعتقدات الشعبية، مصادر معرفة التاريخ بين الدراما والكتب، اليهود المصريون والأفكار المغلوطة عنهم.. وكيف يمكن للمقارنات بالأقران أن تقود الشباب إلى الانتحار.
هل تريد أكثر؟!.. لماذا؟!.. لماذا تستمر في القراءة لي عن المدونة ولا تقرأ المدونة ذاتها؟!.. أرأيت؟!.. كنتُ صادقًا.. ليس مُهمًا أن تقرأ هذا الكلام.. المهم أن تتجه الآن إلى الموضوعات.. نعم كنت أحاول جذبك.. لكن ليس لتقرأ لي.. إنما لتبدأ الاطلاع على المدونة.. لعلنا نعرف جميعًا كيف يفكر الشباب.. وكيف يبدو المستقبل.
أما أنا فقد عرفت.. أرادوا مني الدعم بالكتابة، فدعموني هم؛ منحوني الأمل، وعززوا داخلي الفكرة؛ الفكرة الرافضة لدعوات صرف الشباب عن دراسة الإعلام.
ها هم طلابٌ دارسون، لكنهم صحفيون محترفون، يحلمون، يفكرون، يكتبون. حقا إن الكتابة موهبةٌ في الأصل، لكن الدراسة على يد أساتذتهم - وأساتذتنا- صقلتهم، منحتهم الوعي، وأفهمتهم ماذا يفعلون؛ أفهمتهم دور الصحافة؛ الرسالة، ولا عجب؛ فقبل أن أشرع في الكتابة قرأت اسم الدكتور محمود خليل رئيسا للتحرير والدكتور شريف درويش اللبان مستشارا، وكلاهما من أساتذتنا الذين علمونا صنعة الكتابة، فالشكر كل الشكر لهما ولكل من تتلمذنا على أيديهم وما زال ينهل من علمهم آخرون.
أيكون العيب إذًا في الشباب دارسي الإعلام أم في واقع الإعلام ذاته؟!.. وفروا لهم إعلاما حقيقيا وبيئة صحية للعمل أولا ثم احكموا بعدها - كما تحبون دومًا- على دراسة الإعلام أو عليهم.. ألا تقدرون؟!.. ألا تملكون؟!.. إذن فاصمتوا.. ما شأنكم بهم؟!.. دعوهم لعملهم.. هم الأعلم بحلمهم.. المستقبل لهم.. ما لكم كيف تحكمون؟!.