أخر الاخبار

تراث لن يموت

تراث لن يموت

كتب: أحمد حسن وكرستين عوني

"اللي مالوش ماضي ملوش حاضر، ومن فات قديمه تاه"، دائمًا ما نردد هذه الأقاويل ونطبقها في حياتنا العملية، ولكن هل نستطيع ربط تلك الأقوال بالحفاظ على التراث والآثار؟ فالدولة لا يكون لها وجود إذا محونا تاريخها وخاصًة مصر؛ فهي تعتبر من أعرق الدول التي تملك تراث ضخم وهائل يزيد من مكانتها بين مختلف دول العالم، وقال في هذا الشأن وزير الإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، "أن مصر تُعد تاريخ العالم فهي متحف مفتوح لتنوع التراث الحضاري والثقافي بها وأن العديد من متاحف العالم لديها آثار مصرية تتناول التاريخ الإنساني" وذلك خلال لقاءه مع الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، على هامش مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ 28.

أهمية التراث

      ولذلك فإن التراث وخاصًة المصري له أهمية كبيرة؛ فهو يساعد على انتقال المعرفة والمهارات عبر الأجيال، وإعادة صياغتها بشكل مستمر، بإلاضافة إلى الشعور بالهوية والإنسانية، وارتفاع معدلات النمو والتنمية في البلاد، وازدياد تدفق العملات الأجنبية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

تراث لن يموت

وتكمن علاقة الإنسان الوطيدة بتراثه في أنّه المحدّد الأساسيّ لهويته، والرابط لحاضره بتاريخه وماضيه، وبذلك أصبح الإنسان ينتمي إلى تراثه انتماءً كبيرًا ويتباهى به، ويمنع المساس به أو تشويهه؛ لما له من قيمة كبيرة تشغل عاداته وتقاليده، من ناحية أخرى يُعد التراث مصدر من أهم المصادر الاقتصادية للبلاد، ويعمل على خلق رابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل، مما يولد شعورًا بالاستمرارية.

       وللتأكيد على أهمية الحفاظ على التراث تم اختيار يوم 18 أبريل  من كل عام لإحياء التراث العالمي، بناءًا على اقتراح من المجلس الدولي للمعالم والمواقع، وهو ما وافقت عليه الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» في عام 1983؛ وذلك بهدف تعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي الإنساني وحشد الجهود لحمايته والمحافظة عليه.

الفرق بين التراث والآثار 

     ليس كل ما هو قديم أو نادر يصبح تراثًا، فهل كل بناء قديم هو تراثي؟ وهل كل بناء مصنّف تراثي هو حقّاً تراثي؟ لذا ما الفرق بين التراثي والتقليدي؟ فمن الواضح أن هناك إشكالية في فهم التراث عند الكثير من الأشخاص،  فهناك مراحل ضرورية يجب أن يمر بها عنصر ما حتى يطلق عليه «تراثًا»، مثل تكوين التراث والاعتراف به وتخصيصه وتفسيره وفقدانه.

        فالتراث هو مفهوم واسع يتضمن تراث طبيعي وثقافي وتراث مشترك بين الطبيعة والإنسان، ويتضمن المعالم التي لها قيمة استثنائية تاريخية فنية أو علمية أو غيرها، سواء أكانت معالم طبيعية أم من صنع الإنسان، أما الآثار فهي الجانب المادي من التراث، كبقايا المدن، والمباني، والقصور، والقلاع وغيرها، وهناك أسباب مختلفة تجعل العناصر تصبح تراثًا، ولكن ربما تكون أكثرها شيوعًا هي التقادم، والبقاء، وندرة القيمة، والإبداع الفني، والارتباط.

تراث لن يموت

      ولعل الرؤية تصبح أكثر وضوحًا بتوضيح الفرق بين المبنى التراثي والمبنى الأثري، المتمثل في أن المبنى التراثي يُعتبر منشأة ذات طراز معماري متميز ويرتبط بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو تعبر عن مزار سياحي، أما المبنى الأثري هو كل عقار أنتجته الحضارات المتعاقبة من عصور ما قبل التاريخ وحتى قبل 100 عام.

أنواع التراث ما بين المعنوي والمادي

       ويعتقد البعض أن التراث يقتصر على الأماكن التاريخية فقط، بل في الحقيقة إنه يشمل عدة أنواع، ويصنفه البعض إلى جانببين الأول مادي ملموس وهو يشتمل على أشياء ملموسة، مثل: الآثار، والمباني، وأيضًا الأحداث التي تقع وتتناقل بين الناس، أما الثاني فهو الجانب المعنوي، والذي يشتمل على العلوم والأدب والقيم والعادات.

      ويُعتبر التراث الشعبي من أهم أنواع التراث، وهو يتكون من عادات الناس وتقاليدهم، وما يُعبرون عنه من آراء وأفكار يتناقلونها جيلًا بعد جيل، وهو استمرار «للفولكلور» الشعبي كالحكايات الشعبية، والأشعار والقصائد المتغنى بها، وقصص الجن الشعبية، والقصص البطولية، والأساطير، ويشتمل على الفنون والحرف، وأنواع الرقص واللعب، والأغاني، والحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائدة والألغاز، والمفاهيم الخرافية، والاحتفالات والأعياد الدينية،  كما يوجد ما يُعرف بالتراث الطبيعي، مثل المنتزهات الوطنية، والمناطق البحرية المحمية، والمحميات الخاصة، والحدائق النباتية، والمواقع الجيولوجية.

       هذا بجانب تراث السكان الأصليين، الذي يعتبر ذي أهمية كبيرة في خلق ترابط بين الإنسان والأرض والمحافظة عليها، ويشتمل على مواقع الاحتلال، والفن الصخري، والأشجار المنحوتة، والمناظر الطبيعية، أما عن التراث التاريخي وهو الأكثر شهرًة فهو عبارة عن  المواقع الأثرية، وأماكن الاستيطان البشري، من ناحية أخرى يتمثل التراث الثقافي في مواقع التراث الثقافي، والمناظر الطبيعية الثقافية، والتراث الثقافي المغمور بالماء، والتراث الثقافي المنقول؛ كاللوحات، والأدوات الحجرية، والحرف اليدوية.

تأثيرات التغيرات المناخية على التراث

      يواجه التراث تحديات عديدة مما يجعله مهدد بالتدمير بشكل متزايد؛ وذلك بسبب بعض من العوامل الطبيعية، بجانب مجموعة من الظروف الاقتصادية المتغيرة والظروف الاجتماعية التي تؤدي إلى إلحاق ضرر أكبر لهذا التراث، ولكن هنا نشير إلى أن تدهور أو إختفاء أي عنصر من عناصر التراث الطبيعي أو الثقافي في دولة واحدة قد يؤثر على تراث جميع دول العالم.

تراث لن يموت

     وإذا تحدثنا عن التحديات فلابد من ذكر التغيرات المناخية، حيث يرتبط استقرار وبقاء مواقع التراث الثقافي والأثري ارتباطًا وثيقًا بتفاعلاته مع البيئة، فالتغير المناخي يصاحبه  تغيرات في الظروف البيئية التي تهدد المواقع التراثية والأثرية سواء الثابتة أو المنقولة أو حتى المدفونة تحت سطح الأرض.

     والتغير المناخي هو أحد أبرز التهديدات التي تواجه البشرية. فآثاره عالمية ووصلت إلي جميع دول العالم، وحذرت العديد من الدراسات من تعرض مواقع التراث الثقافي والطبيعي في العديد من البلدان العربية، من تأثيرات تغير المناخ وعمليات التعرية المصاحبة لتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر، ووفقًا لنتائج دراسة أعدها فريق من خبراء مخاطر المناخ والتراث، ونشرت بدورية "Nature Climate Change" فإن النتائج تشير إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى مضاعفة عدد مواقع التراث الطبيعي والثقافي المعرضة لخطر الفيضانات الساحلية الخطيرة في أفريقيا إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، وبحلول عام 2050، قد يكون أكثر من 190 من هذه المواقع في خطر داهم.

كيف نحافظ على التراث؟

       في الحقيقة إن من أهم الطرق للمحافظة على التراث هو تعريف الأجيال الشابه والجديدة منذ الصغر بأهميته، ويكون ذلك من خلال الطرق التي تتناسب مع كافة المراحل العمرية، وكذلك تقع مسؤولية المحافظة على التراث على عاتق الدولة نفسها من خلال الجمع بين الأصالة والمعاصرة، عن طريق سعيها للتطور إلى جانب المحافظة على التراث، والعادات، والتقاليد، ومن خلال اتباع مجموعة من التدابير الفعّالة؛ لحفظ وحماية التراث الموجود على أراضيها؛ مثل اعتماد سياسة عامة تهدف إلى إعطاء التراث الثقافي والطبيعي وظيفةً فعالة في حياة المجتمع، كذلك القيام بدمج حماية هذا التراث ضمن برامج التخطيط الشامل الخاص بالدولة، والعمل على تطوير الدراسات والبحوث العلمية، وابتكار أساليب فعّالة تجعل الدولة قادرة على تحدي جميع المخاطر التي قد تهدد تراثها.

تراث لن يموت

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل يمكن وضع مجموعة من الحلول تتمثل في، المُشاركة في بعض النشاطات التي من شأنها الترويج للتُراث العالمي أو الشعبي، الانضمام إلى بعض البرامج التدريبية التي تنظمها بعض المنظمات كمنظمة اليونسكو، حيث أن هذه المنظمة الدولية تقوم بتنظيم رحلات إلى بعض المواقع التراثية والأثرية في العديد من البلدان المختلفة، القيام بالسفر إلى البلدان المختلفة بهدف ممارسة السياحة المُستدامة مع وجوب مراعاة الثقافات والتقاليد المختلفة لهذه البلدان، والحفاظ على نظافتها ونظافة معالمها التُراثية.

وكل هذا بالإضافة إلى السعي في نشر الحرف التقليدية من جديد، وذلك من خلال عمل برامج خاصة تعترف بالحرفيين التقليديين وترفع من قيمتهم، كما يمكن إقامة ورش عمل لتعليم التراث والحفاظ عليه من الاندثار، فضلًا عن عقد الدورات التدريبية لمناقشة قضايا متعلقة بالتراث.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-