الزواج في ميزان التباهي ما بين القدرة والعجز |
كتبت: سارة الأحمدي وحنان الوالي
«المغالاة في تكاليف الزواج».. عبارة تحاول الدولة بمؤسساتها الدينية تحطيمها، ونحاول نحن أيضًا القضاء عليها، فما تجسده تلك العبارة يتبلور في تعجيز الآباء والأهل في تجهيز أبنائهم، ولعلك تتحدث داخلك بأنه كيف يمكنني شراء كل هذا؟ في حين تعود نظرة المجتمع لتتغلب على سؤالك كابحة طموحك في تقليل تلك التكاليف، والتي لطالما شكلت عائقًا كبيرًا أما الزوجين وأهلهما، فالكل يضع في اعتباره جملة واحدة ألا وهي "الناس هتقول شوفوا جابوا إيه"، متجاهلين أثر تلك الجملة في إحداث بالغ الخسائر لعائلة العروسين، والتي قد تنتهي بهم خلف قضبان السجون، وخلال السطور القادمة نستعرض لكم هذه التفاصيل وما تتكبده تلك الأفكار المغلوطة من إحداث الأثر السلبي في نفوس الأسر المتواضعة.
التباهي في تكاليف الزواج.. موروث يودي إلى ارتفاع أعداد الغارمين والغامات
" إن الأسرة المصرية تتبع عادة غريبة في تجهيز الفتيات"، هكذا عبر صبحي محمود، محامي، في تصريحات خاصة لـ«مدونة وعي»، حيث قال أن الأم تبدأ في شراء الأجهزة حينما تكون ابنتها طفلة، وذلك حتى تستطيع أن تشتري أكبر عدد من كل شئ، لافتًا إلى أن هناك محافظات تتخللها بعض الموروثات التي تحمل الأسرة الكثير من المال عند تجهيز الأبناء للزواج مثل محافظة الغربية والمنوفية، حيث تسيطر على قرى هذه المحافظات آفة التباهي، واستكمل: "الأهالي بتشتري عدد كبير من الأجهزة الكهربية والعفش والملابس، وممكن البنت متستخدموش على الأقل في أول سنوات جوازها، وممكن رب الأسرة يبيع الأراضي اللي بيمتلكها عشان يجيب الحاجات دي"، واستطرد بأن " الأب يفعل كل ذلك فقط ليشاهد أهل القرية عدد كبير من العربات التي تنقل الجهاز، مما أدى لارتفاع أعداد الغارمين والغارمات على مدار السنوات، وهو ما يجعل الفرح يتحول إلى شقاء وحزن لحين انقضاء مدة حجز الغارمين".
عبء «قايمة الزواج».. والمهر من حق المرأة
من جانبها أضافت، بسنت محمد، إحدى الفتيات بمحافظة الغربية، والتى تستعد للزواج، أن هناك قائمة كبيرة يجب أن تشتريها من أجل إرضاء أهل زوجها، كما أنها لا تريد أن تكون أقل من إحدى فتيات القرية المجاورة، التي وُضع جهازها على 28 عربة، لافتة أن جهاز العروس في الوقت الحالي يحتاج إلى مبالغ طائلة لتوفير كافة المتطلبات، وأضافت:" نفسي موضوع التباهي بين الطرفين ينتهي ويساعد الأسرتين الشباب على الجواز من غير كل التكاليف اللي بتتكتب في القايمة وبتتخطى الـ300 ألف جنيه".
قايمة الزواج |
وفي هذا الصدد أشارت الدكتورة أمل رضوان، خبيرة العلاقات الأسرية وأستاذة علم الاجتماع، إلى أن " الأصل فى الزواج أن يتحمل الزوج توفير كافة مستلزمات بيت الزوجية، وأن المهر من حق المرأة، ولها حرية التصرف فيه، وليس من حقه أن يفرض عليها أن تقوم بشراء مستلزمات البيت به، وهذا ما يجعل للرجل القوامة على المرأة "، موضحة أنه في ظل الظروف الاقتصادية التي نمر بها لا نستطيع أن نُحمل الشاب تكلفة الزواج بمفرده، لذا يقوم أهل العروس بمعاونة الزوج بشراء بعض الأشياء لبيت الزوجية، وأشارت إلى أن " ما نشهده هذه الفترة من مبالغة في الجهاز أصبح قضية محورية تفسد الحياة الزوجية، وأنه في بعض المحافظات تقوم العروس بشراء الهدايا لأم العريس، مما يكلف العروس وأهلها تكاليف قد تصل إلى حد حبس أحد والدي الفتاة بسبب الاستدانة ".
المغالاة في تكاليف الزواج.. آفة في نظر الشريعة الإسلامية
لا شك أن الشريعة الإسلامية تصدت لآفة التباهي بما يتم شراؤه لمنزل العروس، والتي تقف حائلًا أمام الشباب، وتمنعهم من بناء حياة زوجية واستكمال الحياة بشكل طبيعي، وعدم تكلفة الشباب مالا يطيقونه، لذا دشنت دار الإفتاء عددًا من المبادرات والحملات التي تؤكد دائمًا على أن الدين الإسلامي هو دين الوسطية؛ لذا تحث المسلمين على عدم المبالغة في الجهاز وكل الأمور التي قد تهدم الأسرة وتؤخر زواج الفتاة.
في نفس السياق قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في تصريحات سابقة له " إن شرائع الإسلام كلَّها مؤسَّسَةٌ على اليسر ورفع الحرج، مستشهدا بقول الله -تعالى- في القرآن « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج» ، وقوله سبحانه:«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ»، وأوضح أنه من أجل ذلك حرص الإسلام على تيسير الزواج، وأول مظاهر اليسر في الزواج يسر تكاليفه؛ وهو المهر الذي يُدفع صداقًا للمرأة، والمهر في حقيقته رمز للرغبة والمودة والمحبة التي يريد الزوج أن يعبّر عنها لزوجته.
من ناحية أخرى أشار «الطيب» إلى أنه يجب أن ندرك أن فلسفة الإسلام في المهر أنه رمز، و ليس ثمنًا ولا مقابلًا ماديًّا لأي معني من معاني مشروع الزواج الذي عبر عنه القرآن بأنه ميثاق غليظ، وإنما هو مشروع إنساني يقوم علي معانٍ وأحاسيسس و مشاعر لا يمكن أن تُقدَّر بثمن أو بمقابل مادي.