فرق الفنون الشعبية |
كتب: فاطمة الزهراء أحمد، محمد رأفت
على جدران المعابد وفي نقوش الفراعنة مثلت الرقصات المصرية أحد رموز التراث، فالرقص الشعبي إضافة لكونه أحد أكثر الفنون الحركية والبصرية إمتاعًا، فهو يمثل هوية وطنية تعبر عن الدولة، واتخذت الأمم المتحدة 29 إبريل يومًا للاحتفال بالتراث الشعبي، حيث تأتي مصر في مقدمة الدول التي تتميز بفنون شعبية فريدة، ورقصات شعبية متميزة وفرق قومية عالمية.
وفي سياق متصل كانت الفنون الشعبية المصرية ولازالت أحد رموز الهوية المصرية، التي تعبر عنا ونمارسها دون أن أن ندرك ذلك حتى، فمن منا لم يعرف فرقة رضا، أو رقصة التنورة مثلًا، ولطالما كانت الرقصات والفرق الشعبية أحد مظاهر الإرث الحضاري في مصر، ولكن ما هو تاريخ هذه الفرق الشعبية، ومتى بدأت وكيف تطورت حتى وصلت لنا، هذا ما نستعرضه في السطور التالية.
فرقة رضا .. انضمت للدولة ومثلتها في المحافل الدولية
نشأت هذه الفرقة من تفكير الفنان محمود رضا فى تكوين أول فرقة خاصة للفنون الشعبية بالاشتراك مع الراقص والمصمم والمؤلف الموسيقى على رضا والراقصة فريدة فهمى بعد الرحيل المفاجئ للفنانة نعيمة عاكف بالإضافة إلى خبرتها فى التدريب وتصميم الأزياء، وهكذا قدمت الفرقة أول عروضها على مسرح «الأزبكية» فى أغسطس عام 1959، وقد بلغ عدد أعضائها عند التأسيس 13 راقصة و13 راقصًا و13 عازفًا، أغلبهم من المؤهلين خريجى الجامعات، وصمم محمود رضا الرقصات التى استوحاها من فنون الريف والسواحل والصعيد والبرية، وقام بإخراجها تحت إشراف "حسن فهمى" ورعايته، وبفضل هذا التكوين الراقى اكتسب فن الرقص احترام كافة طبقات المجتمع.
فرق الفنون الشعبية |
وفي عام 1961 صدر قرار جمهورى بضم الفرقة إلى وزارة الثقافة وأصبحت الفرقة تابعة للدولة، وقام على إدارتها الشقيقان محمود وعلى رضا، وفى عام 1962، انتقلت عروض الفرقة إلى مسرح «متروبول»، حيث أصبح لها منهج خاص وملامح مميزة في عروض الرقص الشرقى.
وعلاوة على ذلك طافت الفرقة العديد من دول العالم واحتلت المراكز الأولى فى معظم المحافل والمهرجانات الدولية، التى حضرها معظم ملوك ورؤساء الدول، وقدمت أكثر من ثلاثة ألاف عرض فى مصر والعالم على أكبر المسارح العالمية، فيما حصلت على العديد من الجوائز الداخلية والخارجية، وكذلك حصلت على العديد من شهادات التقدير فى جميع العروض التى شاركت فيها، وما زالت تشارك فى العديد من المناسبات الفنية والقومية والمؤتمرات الدولية والمهرجانات العالمية.
الفرقة القومية تؤصل كافة الرقصات الشعبية
وجاء عام 1960 بظهور الفرقة القومية للفنون الشعبية، والتي تعتبر من أهم وأقدم فرق الفنون الشعبية فى مصر، وأُنشئت بقرار من "ثروت عكاشة" وزير الثقافة آنذاك، واستعانت الفرقة فى بدايتها بمجموعة من خبراء الفن الشعبي في الاتحاد السوفيتي فى مجالات الرقص والموسيقى، وكان أبرزهم «رامازين»، وضمت الفرقة أعضاء من خريجى الجامعات المصرية والمعاهد الفنية، وجاء قرار إنشائها بهدف التأصيل لكافة الرقصات الشعبية بتعبيراتها الحركية وملابسها وإكسسواراتها من بيئتها الأصيلة بما تشمله من عادات وتقاليد من خلال الاستعانة بالمنهج العلمى ونقله إلى خشبة المسرح بعد إعادة صياغته.
ومن أشهر رقصاتها «أم الخلول»، «المانبوطية» ورقصة «التنورة» المستوحاة من الطقوس الصوفية ورقصة «الحجالة»، كما قدمت الفرقة رقصة «الدبكة» المعروفة فى سوريا ولبنان ورقصة «الشمعدان» على أنغام الموشحات الأندلسية، وكانت تسمى «رقصة الهوانم»، حيث كانت تقدم فى القصور الملكية، ويذكر أن هذه الفرقة كانت السبب فى شهرة اثنين من أهم أعضائها، هما الفنانتان عايدة رياض ومشيرة إسماعيل، اللتان اتجهتا بعد ذلك للتمثيل.
فرقة أسوان أشهر فرق مصر في الصعيد
على صعيد آخر وفي 31 أغسطس عام 2019 احتفلت فرقة أسوان للفنون الشعبية بفرع ثقافة أسوان بمرور 45 عامًا على تأسيسها، وقدمت الفرقة خلال هذه الفترة العديد من التابلوهات التراثية والفنية الأسوانية والنوبية بشكل متميز وراقٍ جعلها فى مقدمة فرق الفنون الشعبية على مستوى الجمهورية لتمثل مصر محليًا ودوليًا فى مختلف المهرجانات والمحافل العالمية.
ومن الجدير بالذكر أن الرقصات والتابلوهات التى تقدمها الفرقة مستوحاة من التراث الفنى الأسواني والنوبي ومنها رقصات «الأراجيد» و«الكراج» و«التاتا» و«الكف» و«النجرشاد»، بالإضافة إلى الفقرات الغنائية المختلفة.
فرقة سوهاج نمط متميز يجسد ثقافة الأجداد
تأسست فرقة سوهاج للفنون الشعبية في عام 1970، وكانت تابعة لقصر الثقافة بسوهاج، وعلى مدار سنوات قدمت الفرقة برامج متنوعة، التزم فيها أعضاؤها بمفردات الثقافة الشعبية للبيئة السوهاجية بعيدًا عن الطابع الاستعراضي والنمط التقليدي، وتضم الفرقة عشرات الراقصين والموسيقيين، جميعهم من أبناء محافظة سوهاج المتحمسين والمدركين للدور الرائد الذي تؤديه الفرقة مع تأكيد الهوية الإقليمية، والتعبير بكل صدق عن مفردات الثقافة الشعبية المصرية، والمحافظة على تراث الأجداد من عادات وتقاليد، ويظهر ذلك من برنامج الفرقة الذى يتناول فى مضمونه القيم والعادات والتقاليد التى يتميز بها أبناء الجنوب، خاصة بما تحويه من ثقافات متراكمة تعبر عن البيئة السوهاجية عبر آلاف السنين.
وتعد الفرقة علامة مضيئة فى محافظة سوهاج وتساهم بشكل كبير فى نشر الفنون الشعبية على مستوى الوطن العربى والعالم كله عبر مشاركتها فى أغلب المهرجانات العربية والدولية.
فرق الفنون الشعبية |
فرقة بورسعيد.. رحلة ٥٧ عامًا و٤٠ مهرجان عالمي
على أوتار السمسمية تتألق فرقة بورسعيد للفنون الشعبية، عبر رحلة من تقديم الفن الشعبي تتجاوز٥٧ عامًا قدمت خلالها أكثر من 40 مهرجانًا عالميًا على أوتار آلة السمسمية، مجسدة ملامح بورسعيد للفنون لتعبر عن تراث وتاريخ فني لمحافظة من أبرز محافظات مدن القناة الباسلة، مهما مر الزمن عليها لم تتغير خصائصها الفنية وأدواتها الموسيقية البسيطة، والتى عندما تعزف فى تناغم واحد تكون قادرة على جذب انتباه أي جمهور من أي دولة، ولعل أهم ما يميز الفرقة هو قدرتها على التعبير عن عادات وموروثات شعبية لم تتبدل على الرغم من التطورات التي طرأت على صناعة الموسيقى.
هذا وقد أُنشئت الفرقة عام ١٩٦٤ على يد الكابتن محمد مراد أحمد، أهم الراقصين فى الفرقة القومية، والذي تعلم أصول الرقص الشرقي الشعبي بالقاهرة، وحرص على تأسيس فرقة بالمحافظة تعبر عن لونها الثقافى المميز، وعلى مدار السنوات لم تتغير فقرات الفرقة التي تعتمد على آلات السمسمية والدهلة والطبلة والناى، إلا أن آلة السمسمية ظلت بطلة كل الفقرات التى تقدمها منذ نشأة الفرقة، وحتى الآن، حتى أن أشهر الفقرات التى تقدمها الفرقة هى رقصة «السمسمية» ورقصة «إحنا البورسعيدية».
فرقة الإسكندرية بين «الصيادين»، و«الحصان» و«أولاد بحرى»
أما فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية، فقد تميزت بتقديم العديد من التابلوهات والاستعراضات الغنائية التي تجسد الفلكلور الشعبي لعادات وتقاليد الشعب السكندري، ومنها استعراضات «الصيادين»، «الحصان»، «أولاد بحرى»، «الفراعنة»، «الصعايدة»، وغيرها من التابلوهات الشهيرة.
وتعتبر رقصة «السكينة» من أشهر الرقصات التى أحبها الإسكندرانية، والتى عبرت عن أولاد الساحل وشهامة أولاد بحرى، وكذلك رقصة «الصيادين» التى تعبر عن البحر وجماله.
وتجدر الإشارة إلى فرقة «الأنفوشى»، التابعة لقصر ثقافة الأنفوشى، وفرقة الحرية، التابعة لقصر ثقافة الحرية، وهما من أشهر الفرق بالإسكندرية والتى تميزت بأداء عالٍ، ساعدها على تحقيق نجاحات كبيرة فى الداخل والخارج، الأمر الذي دعا هيئة قصور الثقافة بالإسكندرية لضم هذه الفرق وغيرها إليها، مع إعداد خطة لتنظيمها ورعايتها وتدريبها والخروج بها من نطاق المحلية إلى العالمية.
فرقة العريش رقصات وأغاني في الأفراح والمآتم
«العريش للفنون الشعبية.. سفيرة سيناء إلى العالم»، تحت هذا الشعار انطلقت فرقة العريش عام ١٩٧٩ لتقديم الفنون السيناوية من أرض التاريخ ومنبع التراث المصري العريق؛ ليتعرف عليه العالم من خلال فرقة الفنون الشعبية التي تقدم ما يجمع بين فنون القول والحركة والتشكيل والموسيقى الشعبية لتظهر ثقافة سيناء الشعبية على هيئة رقصات وأغانٍ وطقوس، سواء فى الأفراح أو المآتم.
والمعروف أن منطقة سيناء مليئة بالعادات والتقاليد الخاصة بالملابس والعادات والرقصات الشعبية التي تشجع على إخراج هذا الفن بشكل متميز.
الرقصات الشعبية بين القاهرة والإسكندرية والصعيد
وأما عن الرقصات الشعبية فنجدها تتنوع ما بين العديد من الرقصات تأتي رقصة التنورة في مقدمتها، وهي فن جماعي ذا أصل صوفي، كما أنها رقصة مصرية ذات أصول صوفية، وتلقى رقصة التنورة رواجًا واسعًا بين السياح العرب والأجانب القاصدين مصر على حد سواء كما يسعى الكثير من الشباب في مصر لتعلم هذه الرقصة التي أصبحت اليوم طقسًا هامًا من طقوس الاحتفال وتؤدى في مناسبات كثيرة.
وتعد التنورة رقصة إيقاعية تؤدى بشكل جماعي بحركات دائرية، تنبع من الحس الإسلامي الصوفي ذي أساس فلسفي، ويرى مؤدوها أن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عند النقطة ذاتها ولذا يعكسون هذا المفهوم في رقصتهم فتأتي حركاتهم دائرية وكأنهم يرسمون بها هالات يرسخون بها اعتقادهم، يدورون ويدورون كأنهم الكواكب سابحة في الفضاء، وتشير بعض الدراسات إلى أن الفيلسوف والشاعر الصوفي "جلال الدين الرومي" هو أول من قدم رقصة الدراويش أو المولوية وهي رقصة روحية دائرية اشتقت منها رقصة التنورة التي اشتهرت بها مصر وادرجت كتقليد احتفالي.
فرق الفنون الشعبية |
وغالبًا ما تكون الرقصة مرفوقة بالدعاء أو الذكر أو المديح أو المواويل الشعبية وأداؤها يكون بالدوران لكن ليس لمجرد الدوران بل لأن الراقص يرغب في بلوغ مرحلة سامية من الصفاء الروحي.
الرقص النوبي بين شعب كينسي و الفاديكي
على صعيد آخر هناك مجموعة واسعة من الرقصات النوبية، كانت الشعوب النوبية سابقًا من مجموعات مختلفة في العديد من القرى المختلفة المتناثرة على طول النيل في جنوب مصر والسودان.
بعض هذه الرقصات هي من شعب كينسي، وبعضهم من الفاديكي، وبعض من الجماعات التي تتحد مع المهاجرين العرب.
إلى جانب هذا يأتي الرقص الصعيدي بأشهر رقصات "الفلكلور" المصري، فالرقص الشعبي الأكثر شعبية في صعيد مصر هو رقص العصا، بينما يأتي رقص أهل الدلتا متنوع بين التمثيل الحكومي والاستمتاع الشعبي، أما الرقص القاهري فهو مثال للرقص الشعبي البلدي المصري بحركاته الرائعة، وعندما يشير الملايين من الراقصين في جميع أنحاء العالم إلى الرقص الشرقي على الطراز المصري، فإنهم يشيرون إلى القاهرة.
فرق الفنون الشعبية |
من ناحية أخرى يأتي رقص أهل سيناء وسيوة مثالًا للفن والثقافة، حيث تتم الرقصات خلال الاحتفالات، مثل الزواج، وهذا يشمل الرقص المسمى "Daheya" ويتمثل في بعض الرجال الذين يقومون بالغناء، والتصفيق، ولكن الرقص لا يمكن أن يتم إلا خلال الطقوس الثقافية.