أخر الاخبار

"هو أنا شكلي وحش!".. تفاصيل وفاة الطالبة "رودينا" ضحية التنمر

ضحايا التنمر

 كتبت: إيمان ياسر- وسام عمرو

"أنتِ وحشة، مستحملة شكلك إزاي؟"، "أنتِ مش من مستوانا علشان نلعب معاكِ"، "إيه ده أنتِ بتحسي؟ "، كلمات كالرصاص اخترقت قلب مراهقة بقسوة ليتوقف نبضه معلنًا عدم قدرته على تحمل المزيد، رودينا أسامة فتاة الـ 16 عام، أحدث ضحايا التنمر في مجتمعنا، طفلة صغيرة لديها أهداف وأحلام تريد تحقيقها، لم تكن تعلم أن العالم مرعب وأنها ستقابل أشخاصًا متعتهم في الحياة إيذاء الآخرين من أجل التسلية لا أكثر، قلبها البريء لم يستوعب قسوة البشر فتوقف عن الخفقان إثر صدمته بالكلمات اللاذعة التي كانت تسمعها كل نهار من زميلاتها.

3 سنوات من التنمر

قصت لنا إحدى زميلات رودينا ما كانت تتعرض له، قائلة بحزن على زميلتها: "أنا أعرف رودينا من أولى إعدادي، هي كانت شاطرة جدًا ومتفوقة، وهم كانوا مستواهم الدراسي واقع وكل المدرسين كانوا بيشتكوا منهم بسبب إهمالهم، وده كان سبب كرههم لرودينا"، ثم أضافت مستنكرة "مع إنها كانت بتساعدهم لو حد مش عارف حاجة"، وما لبثت أن سكتت قليلًا، وتنهدت ثم استكملت كلامها بأسى "رودينا كانت ملاكًا حرفيًا".

وعن تفاصيل القصة قالت: "كانت بتاخد درس في بيت واحدة منهم، وكانوا أربعة في الدرس، الثلاث بنات كانوا دايمًا مع بعض على رودينا، وهي لوحدها، كانوا بيسخفوا عليها بالكلام ويتنمروا عليها، لغاية ما البنت صاحبة البيت خلتها تمشي" .

رودينا

وأضافت: "كانوا بيتنمروا على شكلها وجسمها دايمًا ويقولولها إنها وحشة ومستحملة نفسها كدة إزاي، كانوا بيقولولها كلام صعب أوي"، ثم صمتت برهة وقالت وأضافت "دول كانوا بيتنمروا عليها علشان هي شاطرة، ويقولوا إنها جاهلة في السوشيال ميديا ومش وراها غير المذاكرة".

وفي سياق متصل، كشفت لنا زميلتها آخر موقف تعرضت له رودينا قبل وفاتها بالأزمة قلبية :"كنت في الفصل في الوقت ده، ولاقيت واحدة من البنات داخلة بتخبطلها على الديسك وتكلمها بطريقة وحشة، ورودينا كل اللي قالته أنا أقدر أرد عليكي بس مش هرد، فراحت البنت قعدت تقلدها بتريقة وتضحك". 

لم تكن تعلم رودينا أن قلبها البريء يستعد لرفع راية الاستسلام، والموقف الأخير كانت بمثابة الرصاصة القاتلة التي أنهت حياتها، فسقطت مغشيًا عليها في منزلها بعدما سألت شقيقتها بانكسار "هو أنا فعلًا شكلي وحش؟ "، وتم نقلها إلى المستشفى وهناك أخبر الطبيب أهلها بأنها توفيت إثر أزمة قلبية. 

الأفكار المغلوطة في التربية سبب لانتشار التنمر

وتعتبر رودينا ليست أول أو آخر ضحية للتنمر، فهذه الظاهرة خاصة في المدارس تنامت بشكل كبير، فوفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة اليونسكو في 2019، فإن ربع مليار طفل يتعرضون للتنمر سنويًا حول العالم، ولذلك تواصلنا مع  الدكتورة منى شطا، الأخصائية النفسية وعضو مجلس إدارة نقابة الاجتماعيين.

أشارت «شطا» إلى أن السبب في انتشار التنمر هو التنشئة الاجتماعية، وقالت "الطريقة اللي بتربي عليها ابنك او بنتك هي السبب في انتشار التنمر، إني أربي ابني أو بنتي على أنه أفضل من حد في الشكل أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو في البيئة، ده غلط وينتج عنه شخص متنمر"، وأضافت "أو أنْ أزرع في داخل ابني أو بنتي فكرة كونه أقل من غيره أو كونه ميقدرش يعمل شيء معين لأي سبب، ده بيضعف من شخصيته وينشأ طفل فريسة للتنمر". 

وفي سياق متصل، أوضحت « شطا» أن رودينا تعد ضحية للأفكار العنصرية المنتشرة في المجتمع الذي يدعمها وينشرها كل أفراده، وقالت في هذا الصدد "ده بيكون سبب الإيمان بالأفكار العنصرية، أو بسبب عدم مواجهتها والصمت عنها، أو تكبير الدماغ تحت شعار وأنا مالي".

والتقطت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أطراف الحديث مؤكدة على أهمية دور الأم، والذي يعتبر عامل مؤثر في انتشار تلك الظواهر قائلة: "التربية ليها عامل كبير، الأم المهملة والمقصرة في حق أولادها بتكون سبب نشأة جيل سيء". 

وأشارت في حديثها إلى أن الإعلام له دور كذلك، قائلة: "الإعلام الهابط كارثة تُحمل المجتمع الكثير من الإخفاق والوقوع في شبكة الجرائم وعدم الاحترام وفشل الزواج"، مضيفة بأنه لابد من وجود برامج محترمة وهادفة تساعد على التربية الصحيحة، وذلك ما سيحد من انتشار تلك الظواهر غير المرغوب فيها مثل التنمر.

رودينا

التربية الدافع الأول وراء التنمر

كان لوقع كلمات التنمر أثر كبير في نفس رودينا، أخذ يتزايد يومًا بعد يوم حتى أصبح حملًا ثقيلًا على قلبها الصغير، فلم يتحمل وتوقف عن العمل، "فما الذي كانت تحتاجه رودينا لتواجه هذا التنمر؟"، كان هذا سؤالنا للدكتورة ماجي رؤوف، أخصائي الطب النفسي، التي أجابت قائلة: "أول حاجة يبقى فاهم يعني إيه تنمر؟ وأن المشكلة مش فيه، الشخص المتنمر هو اللي عنده مشكلة"، وأضافت مؤكدة "لازم يتعلم يحط حدود لما حد يكلمه بطريقة مش مناسبة، ويسيب المكان ويمشي يروح لناس صحابه أحسن، أو ممكن يروح يطلب مساعدة حد كبير".

وعن الأسباب النفسية التي تدفع الشخص للتنمر على الآخر قالت: "أكيد التربية والتنشئة هما العاملان الأساسيان في تكوين الشخص المتنمر؛ لأنه غالبًا بيكون عنده مشكلة أو مش بيثق في نفسه، أو عايز يثبت لنفسه إنه أحسن من كل الناس فبيتنمر على كل الناس".

«الأحداث».. المصير المنتظر للمتنمرات 

لكل جريمة عقاب، "فهل يوجد قانون يُعاقب الشخص المتنمر؟"، كان هذا سؤالنا للمستشار القانوني، الدكتور عمرو بباوي، الذي أجاب قائلًا "في العموم يعاقب المتنمر، وفقا للقانون، بالنص على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما في حالة وقوع جريمة التنمر من قبل شخصين أو أكثر، فإن العقوبة التي يتم تطبيقها على المتنمر تتمثل في الحبس لمدة لا تقل عن العام، مع دفع غرامة مالية لا تقل قيمتها عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد قيمة الغرامة على 100 ألف جنيه". 

وأضاف:"نظرًا لصغر سن هؤلاء المتنمرات، وكذلك في حال أثبتت التحقيقات صحة ما توصلت إليه سيتم إحالة هؤلاء الفتيات إلى محكمة الأحداث، وقد يُحكم عليهن بالإيداع أي إعادة التأهيل في إحدى دور التأهيل الاجتماعي أو دفع غرامة مالية، وقد يصل الحكم إلى السجن المخفف".

القوانين لا تكفي لمواجهة التنمر

"القوانين وحدها لا تكفي، فيه قوانين كتير لجرائم شديدة زي القتل والسرقة وغيرها، ولكن القوانين لم تقضِ عليهم، علشان كدة ضروري العمل المستمر علي مواجهة المجتمع وتغيير الأفكار والمعتقدات الخاطئة فيه"، هكذا ترى الدكتورة منى شطا، التي أشارت إلى الجانب الديني في الأمر قائلة: "لابد من حماية المجتمع بنشر الوعي الديني وترسيخ مبدأ المساواة لدى النشء وعدم التحيز لأية أفكار عنصرية".

وعلى الصعيد النفسي قالت الدكتورة ماجي رؤوف: "لازم الأهل يعرفوا إزاي يتعاملوا مع ابنهم، ولما يجي يقولك إن حد اتنمر عليه أسمعه للآخر وأعلمه إزاي يحط حدود مع الأشخاص دول، وكمان يروح معاه المدرسة ويشوف إيه اللى بيحصل ويقابل الأخصائية، ويعرفها بكل حاجة حصلت مع ابنه".

وأما من الناحية القانونية، يرى الدكتور عمرو بباوي، أنه يجب معاقبة هؤلاء المتنمرات من قبل المدرسة أولًا بالفصل النهائي، مع ضرورة وضع قرار بمنع وجود هؤلاء المتنمرات معًا بمدرسة أخرى، كما يجب التشديد على أهالي هؤلاء الفتيات، وتغريمهم وكذلك إنذارهم في حالة حدوث مشاكل أخرى".




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-