أخر الاخبار

د.أحمد كريمة في حواره الأجرأ لـ«وعي»: "المسيحيون ليسوا في النار والمسلمون ليسوا في الجنة"

الدكتور أحمد كريمة

 حوار: أحمد حسن عبدالغني - بدرالدين حسن هنو - محمد رأفت

يتعرض المسلم يوميًا إلى مئات المعلومات المنسوبة للدين، ويصدقها كلها دون التحقق من مصدر المعلومات، ودون الشك في مدى صحة انتساب المعلومات بالفعل إلى الدين، ثم إذا دققنا في الأفكار العامة التي يؤمن بها الشباب حول بعض القضايا في الإسلام، نجد أن كثيرًا منها أفكار سلفية متطرفة تقوم على تكفير غير المسلم، وتكفير المسلم الرافض للفكر السلفي، والاستعلاء الديني، وادعاء امتلاك الحقيقة الدينية، وبالنظر في المحتوى الديني الإسلامي الأكثر شيوعًا على مواقع التواصل الاجتماعي نجد أنه يتبنى تلك الأفكار السلفية في ظل انحسار واضح لصوت الإسلام الوسطي، وفي ظل محاصرة الأفكار المغلوطة المتطرفة عن الدين الإسلامي الوسطي للشباب، صار لزامًا علينا أن نذهب إلى الشيخ الأزهري الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي تحدث لنا في «وعي» بجرأة وصراحة غير مسبوقة، وخصَّنا بتصريحات لم يدل بها من قبل في أي وسيلة إعلامية.

 "جذور الإرهاب المعاصر نشأت في عهد السادات"

• بِمَ تفسر انتشار الفهم السلفي المتطرف للدين في مصر؟

لابد أولًا من سرد نشأة الفكر السلفي المعاصر لنفهم كيف انتشر في مصر، "بريطانيا اتعودت تزرع ألغام في ثقافة كل دولة احتلتها لكنها فشلت في مصر بس خلقت مشكلات في منطقة شبه الجزيرة العربية لما دعمت دعوة محمد بن عبد الوهاب الدينية في السعودية المعروفة بالدعوة الوهابية، واستغلت الصراعات في المنطقة على الحكم، فدعمت أحد الأطراف، وهو محمد بن سعود، واستخدمتهما كأداة لتنفيذ مخططها، وباركت تحالف المحمدين، ليمثل ابن عبد الوهاب الغطاء الديني لحكم محمد بن سعود، ويمثل ابن سعود الغطاء السياسي لدعوة الآخر الدينية".

الدكتور أحمد كريمة

حدثت الأزمة في مصر في سبعينيات القرن الماضي مع "حقبة البترول" في السعودية عندما أسست مؤسسات سلفية في مصر مثل أنصار السنة المحمدية وغيرها.

وبالتأكيد جذور الإرهاب المعاصر في مصر نشأت في عهد الرئيس السادات، وأعتقد أن ذلك كان بحسن نية، وقد ندم فيما بعد، وذلك حينما قام بتدعيم تغلغل الحركات الإسلامية في الجامعات المصرية، وانتقل في تلك الحقبة أساتذة وجامعيون إلى السعودية وكنت منهم وعملتُ في جامعة محمد بن سعود الإسلامية 4 سنوات، وعندما عدت إلى مصر أصبحنا في عصر الرئيس محمد حسني مبارك الذي تم إنشاء في عهده 12 قناة فضائية سلفية دون وجود قناة أزهرية واحدة،  ومع غياب الأزاهرة المُتَعَمَد توغل الفكر السلفي في عقول المصريين؛ لأن السلفيين كانوا في بيوت المصريين 24 ساعة.

 "عمرو بن العاص قضى على الشخصية المصرية ونحتاج طه حسين ومحمد عبده لاستعادتها"

• في رأي حضرتك، لماذا ينفر الشباب من الفهم الوسطي للدين، ويتهمون الوسطيون بالتفريط في الإسلام؟

قالها بلا تردد: "بسبب الفكر السلفي"، ثم وضح قائلًا: "سيكولوجية البيئة العربية اعتادت على الكر والفر، وهي تختلف عن الشخصية المصرية بالطبع، وقد بدأ القضاء على الشخصية المصرية مع دخول العرب إلى مصر على يد عمرو بن العاص، وقد أتى الثأر والعادات البدوية وفكرة السيد والعبد مع العرب، وأيضًا جاء معهم فقه الأسرة الذي ليس هو فقه الإسلام بل فقه العرب، وعبر بنبرة أسى: "نحن في أمس الحاجة إلى أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين والإمام محمد عبده لاستعادة الشخصية المصرية".

وعاد مجاوبًا على السؤال: "لذلك الشباب ينفرون من الفكر الوسطي لأن شخصيتهم المصرية مُزقت بفعل فاعل، وتبنوا بدلًا منها الأفكار المتطرفة، ومنها أفكار تخص البيئة العربية لكنها متسترة في عباءة الدين، وقد أمتلأت الشوارع بالأفكار السلفية في عهد السادات، ومنها تفشي النقاب في كل مكان حتى أن توزيعه كان يتم مجانًا.

الدكتور أحمد كريمة

 "السلفيون يؤمنون بالإله المجسم .. ويتهمون الأزاهرة بزيغ عقيدتهم"

• لماذا يقوم السلفيون بتكفير المذهب الأشعري الذي يتبناه الأزهر؟

إن السلفيين لا يعتبرون الأزهر من أهل السنة والجماعة، ويكفرونهم؛ لأنهم يرون في أنفسهم أنهم فقط "الفرقة الناجية"، ولأنهم يطمحون إلى سرقة ريادة العالم الإسلامي من الأزهر، وقيادته عن طريق إضعاف مصر، وتفتيت الأزهر، فكفَّروا أبو الحسن الأشعري؛ لأنه لا يؤمن بالإله المجسم فيما يعرف بـ"المجسمة"، فالسلفيون لا يعتبرون حديث الله عن يده وساقه وعينه حديثًا مجازيًا، وإنما يؤمنون أن الله له جسد، ويمتلك هذه الأعضاء بالفعل، وذلك الاعتقاد سائد لديهم بدءًا بابن تيمية ثم تلميذه ابن القيم وصولًا إلى محمد بن عبد الوهاب، وابن باز، "وهي جينات وراثية من أيام ما كان جدودهم بيعبدوا اللات والعزى ومناة"، لكن الأشعري قام بتأويل كل هذه الآيات تأويلًا محمودًا، واعتبرها صفات تعني قدرة الله ورعاية الله، وبالإضافة لذلك يقول ابن القيم أن النبي سوف يجلس إلى جانب الله على العرش في يوم القيامة، وفي النهاية السلفيين يقولون لنا أن لدى "الأزاهرة" زيغ في العقيدة.

 المسيحيون ليسوا في النار والمسلمون ليسوا في الجنة

• المسلمون يتساءلون هل سيدخل المسيحيون إلى النار؟

الاعتقاد بأن المسيحيين سيدخلون إلى النار هو اعتقاد مغلوط، فبخصوص ما يتعلق بالجزاءات الأخروية، فإن التحاكم يكون إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة فقط، ونستند في ذلك إلى الآية 17 من سورة الحج ﴿  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، وما جاء الآية 4 من سورة الفاتحة ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، إذن لا يوجد متحدث نائب على الله، ولا وصاية على خلق الله، والدليل على ذلك قوله –تعالى- في الآية 54 من سورة المائدة ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

الدكتور أحمد كريمة

وأضاف غاضبًا:"لماذا ينشغل المسلمون بالآخرين؟ ولماذا سيطرت قضية دخول غير المسلم الجنة على أذهان السلفيين؟ في حين أن المسلمين لم يتفقوا على مَن مِن فرقهم سيدخل الجنة، فالجنة والنار بيد الله يدخلهما مَن يشاء هو، لذلك وجب عليَّ أنا كمسلم أن أؤمن أن الله يفصل بين المسلم وغير المسلم يوم القيامة، فنحن لانعرف مصائرنا فكيف أحكم على الآخرين؟ 

• لماذا لا يقوم الأشاعرة بتكفير السلفية مثلما يفعلون هم؟

إن منهج الأزهر الشريف لا يكفر أحدًا على الإطلاق، فعلى الرغم من اختلافي الشديد مع السلفية، ورغم تكفيرهم لي، لكنني لا أستطيع أن أكفر أحدًا، على الرغم من وجود نوع من أنواع "الشرك" في أفكارهم، إلا أنني لا استطيع تكفيرهم أو الحكم عليهم، بينما السلفي يكفر الأزهر والصوفية والشيعة وكل المذاهب غير السلفية.

• لماذا لا يوجد انتشار للدعاة الوسطيين كما يوجد للسلفيين؟

لأن الإمكانيات ليست في صالحنا، فسواء أنا أو الدكتور علي جمعة أو غيرنا كلنا نعمل بشكل فردي، بينما السلفيون يتوفر لديهم التمويل والتنظيم، فإذا أردت تجديدًا حقيقيًا للخطاب الديني عليك بمحاربة الفكر السلفي لا إدخاله مجلس النواب، والأزهر قادر على تصحيح الأفكار المغلوطة التي خلفها الفكر السلفي في نفوس المصريين خلال عام، إذا منحته الإمكانيات.

• دار الإفتاء المصرية تتعرض بشكل مستمر لحملات هجومية، كيف ترى ذلك؟

هذه الحملات ممنهجة من الأخوان والسلفيين، أما عن نفسي فأنا شخصيًا قد أختلف علميًا مع بعض الأمور البسيطة، التي تكون قد كُتبت على يد أحد الشباب في المركز الفني الإلكتروني للدار بسبب عدم تعمقه في موضوع ما، وأتواصل باستمرار مع دار الإفتاء للإشارة إلى هذه الأمور، ورغم كل الاختلافات، فدار الإفتاء المصرية منبر متخصص وأكن كل التقدير لمفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام.

• نريد أن نعرف من حضرتك الرأي الديني بشأن بعض القضايا التي قام السلفيون بتحريمها:

1- التوسل بالأولياء والصالحين وزيارة الأضرحة:

برهن مستشهدًا بأن النبي محمد ﷺ كان يزور أهل البقيع، ومعاذ بن جبل عند رجوعه من اليمن، بالإضافة إلى أن السيدة عائشة كانت تزور قبر النبي وأبي بكر وعمر بن الخطاب، والسيدة فاطمة الزهراء كانت تزور قبر عمها حمزة في سفح جبل أُحد، وهناك العديد من الأحاديث والآيات التي تثبت ذلك.

الدكتور أحمد كريمة

ووضح أن مايحدث من بعض السلفيين، هو تزوير في الفقه، فالمقبرة هي من المواطن التي تُكره فيها الصلاة، وليس المسجد الذي يحتوي على قبر أو ضريح مثل المسجد النبوي، فهم نقلوا هذا الكره من المقبرة إلى المسجد الذي يحتوي على قبر.

2- الاحتفال بالمولد النبوي:

أجاب بأن الرسول احتفل به بالصيام، فلما سُئل عن سبب صيامه يوم الاثنين قال: "ذلك يومُ وُلدت فيه"، ومن لا يرغب في الاحتفال بالمولد النبي، فلو يستطيع أن يلغي صيام يوم الاثنين، فليفعل ذلك.

3- تهنئة المسيحيين والأكل من طعامهم:

وضَّح أنه لا عيب في ذلك استنادًا إلى الآية 5 من سورة المائدة ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ ﴾، وهناك امرأة يهودية قد عزمت رسول الله على الطعام في خيبر، وقد لبى هذه الدعوة، والرسول استضاف نصارى "نجران" في مسجده، وسمح لهم بالصلاة.

4- الترحم على أموات غير المسلمين:

قال: "أنا لا أكره أن ينجي الله جميع الناس، أقولها لأول مرة أتمنى أن الكرة الأرضية جميعها مسلمين وغير مسلمين بأن يدخلون إلى الجنة، فلا يضرني ذلك في أي شيء".

5- القروض والفوايد البنكية:

أجاز الإيداعات البنكية، وشهادات الاستثمار، لكنه قال: "أن الاقتراض بفائدة يدخل في بند الربا، والبديل له يوفره البنك في هيئة تمويل المشروعات، أما مَن يحرمون كل ذلك من المشايخ، فإن جميع ثرواتهم في البنوك".



لا نجد في ختام الحوار أفضل مما قاله الدكتور أحمد كريمة من معلومة شديدة الأهمية تفضح الحقيقة التي يحاول السلفيون أن يخفونها عن الدولة، فيحكي أن: "السلفيين لم يقفوا حدادًا عندما تنيح البابا شنودة الثالث رغم أنه كان رجلًا وطنيًا، وحينما توفي الإمام د.محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق في السعودية، وأقيمت في مسجد الجمعية الشرعية بمنطقة فيصل بالجيزة صلاة غائب له، وجدتُ السلفيين يخرجون من المسجد قبل الصلاة، وقد امتنعوا عن الصلاة عليه؛ لأنه أزهري"، ويضيف كريمة إلى ذلك، قائلًا: "السلفيين لا يقفون في السلام الجمهوري ويحرمونه، ويُلاحظ ذلك أثناء مباريات كرة القدم؛ لأنهم يحرمون الوقوف للسلام الوطني، ويهاجمون في كتبهم الجيش المصري"، وقد كرر "كريمة" طوال الحوار جملة: "إحنا في غيبوبة"، واصفًا طريقة تعامل مصر شعبًا وحكومة مع الفكر السلفي، على الرغم من أنه بالغ الخطورة، فهو يشوه صورة الإسلام، ويهدد الأمن القومي لمصر.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-