كتبت: مريم ضياء
إن المعتقدات المترسخة التي نتناقلها عن آبائنا وأجدادنا من جيل لآخر تزخر بالعديد من الخرافات التي تُعد من أهم روافد الموروث الشعبي في مجتمعنا، ونتابع بعضها في حياتنا اليومية دون وعي منا أحيانًا، ودائمًا ما يتميز أهل الريف عن المدينة بجدية الحفاظ على الهوية الثقافية الخاصة بمجتمعنا، والتي يصعب حذفها من عقولهم، فهل لا يزال الريف محتفظ بما به من خرافات؟
القطط السوداء والخرز الأزرق خرافات أم حقيقة؟
تقول إسراء جمال، القاطنة بمحافظة الشرقية، أنه من الشائع في الأرياف عند رؤية قطط سوداء ليلًا عدم ضربها لأنها في هذا الوقت تكون عبارة عن "جن" متهيء في شكل قطة.
وتستكمل حديثها قائلة: "هناك عادات موروثة تُتبع للوقاية من الحسد مثل ارتداء الخرزة الزرقاء واستعمال البخور والخمسة وخميسة، وهي منتشرة بشكل كبير، وغيرها من الأفكار التي لا أفكر كثيرًا في مدى منطقيتها وإنما آخذ حذري فقط".
كما ترى صباح السيد، ربة منزل من محافظة الشرقية، أن بعض الناس يعتقدون بأن القطط السوداء تعبر عن الشيطان مما يسبب لهم بعضًا من التشاؤم والخوف، كما يعتقدوا بأن سكب القهوة خيرًا لصاحبها وأنه سوف يحدث له أمرًا جيدًا، ولكن تلك الأفكار ليست صحيحة.
وتتابع «السيد» قائلة: "في مدينتي بعض الناس يفضلون لبس الخرز الأزرق وغيره لمنع الحسد وتعليق أشياء أخرى علي المنازل لاعتقادهم بأنها ترد الحسد، كما أن جهل الناس يجعلهم يلجأون إلى السحر متبعين خرافات الدجالين، وفي رأيي أن كلاهما مذكور في القرآن ويجب التحصن منهما ولكن كل شيء بأمر اللّٰه".
تأثير بيئة الخرافة على المرأة
كما تشير صباح السيد، إلى أن بعض الناس في الأرياف غير مهتمين بتعليم المرأة، ويفضلون زواجها مبكرًا أكثر من التعليم، وهناك الكثير منهن لم يكملن تعليمهن بسبب تلك الأفكار، وبالتالي يفضلون الإنجاب المبكر و بكثرة؛ لرغباتهن في تكوين عائلات كبيرة لأن ذلك يساعد على إحياء نسلهم و بقاء سيرتهم، دون الاهتمام بصحة الزوجة والضرر الكبير الذي من الممكن أن تتعرض له، كما أن ذلك يؤثر في زيادة الكثافة السكانية.
وتعارضها أمل محمد، القاطنة بمحافظة كفر الشيخ، قائلة: "في وقتنا الحاضر الفتاة تكمل تعليمها حسب مجموعها سواء كان دبلومًا أو تدخل جامعة فتسير في المرحلة التعليمية وتتخرج لتصبح طبيبة ومهندسة وغيرها".
بيئة خصبة لنشر الخرافات
وتستطرد «أمل» حديثها قائلة:" نعاني في الأرياف من غياب الأنشطة الثقافية والترفيهية كالمكتبات العامة والسينمات مما يجعل الحياة بها أحيانًا مملة، ولذلك نلجأ جميعًا منذ الصغر إلى سماع الحكايات الشعبية التي ترويها علينا جداتنا وأقراننا، والتي عادة ما تكون مليئة بخرافات عن الجن والنداهة والقطط السوداء".
"كما أن التأخر الطبي جعل الناس يستخدمون الأساليب غير الطبية لاعتقادهم بأنها تفيد مثل جزع الساق، استعمال أشياء مثل البيض والدقيق، ربط الساق، ويعتقدون أنها تشفي".
العقلية الريفية الجامدة
و تضيف «أمل»، أنها لا تقتنع بتلك الأفكار على الرغم من تأثرها بها في الصغر إلا أنها تراها الآن غير منطقية، وترجع السبب في ذلك إلى مقدار الثقافة والتفكير العقلاني الذي اكتسبته من خلال تعليمها، والذي من الصعب أن يقتنع به أهلها وجيرانها خاصة وأن الناس في الأرياف يظلوا مقتنعين بما وُرث لهم ومتمسكين به إلى حد كبير حتى دون التفكير في مدى منطقيته.
التعليم سلاح ضد الخرافات
في هذا الصدد أوضح سعد بخيت، عمدة قرية الزاوية بأسيوط، أنه مع تطور القرية أصبح الناس لا يؤمنون كثيرًا بالخرافات كالنداهة والخرزة الزرقاء للحماية من الحسد، وهذا ناتج عن انتشار التعليم.
وقال "دور الوالدين والمعلم في المدرسة أساسي في غرس الثقافة الصحيحة منذ الصغر، لكن أغلب المعلمين الموجودين في الأرياف غير مؤهلين لذلك".
حملات تنظيم النسل غير مجديه
واستكمل «عمدة القرية» حديثه قائلًا: "بالنسبة لربط كثرة الإنجاب بفكرة العزوة فإن الدولة تنادي بضرورة تحديد النسل من خلال الحملات التي كانت تعرض في القنوات الرسمية ولكنها بدون فائدة في الصعيد، كما أنها لم تعد تعرض حاليًا، ولكن مع غلاء المعيشة بدأ الناس في الاهتمام بعملية تنظيم النسل".
ويتفق معه عبد العزيز كدواني، عمدة قرية شطب بأسيوط قائلًا: "لا يلتفت سكان الأرياف إلى الإعلانات والحملات الصحفية التي تقوم بها الدولة من أجل التوعية بتنظيم النسل، فالفرد يريد الزواج وتكوين أسرة ولا يهتم، ومن هنا يجب علينا أن ننصحهم من خلال المؤتمرات التي تقام بأن ينجبوا طفل أو اثنين ليسهل تربيتهم خاصًة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها الآن.
ارتفاع مستوى الوعي في الأرياف
كما بيَّن «كدواني» أن عادة ارتداء خرزة زرقاء وغيرها لا تزال موجودة عند بعض الناس ولكنها أصبحت محدودة بسبب ارتفاع مستوى الوعي، ولكن هناك بعض العادات التي يصعب القضاء عليها كعادة " سبوع الطفل". هذا بالإضافة إلى أن عادة زواج القاصرات تكاد تكون انتهت بالفعل.
توظيف الدين للحد من الخرافة
ويختتم عمدة قرية شطب حديثه بأنه يجب على الدولة لكي تستطيع التغلب على الأفكار الخاطئة والخرافات المنتشرة في القرى أن تستخدم وسائل أخرى يمكنهم الاقتناع بها، حيث أن الرسائل الموجهة لا ينتج عنها رجع صدى إيجابي من الناس؛ لذلك يجب عليها أن توظف الواعظ الديني في رسائلها لأن الناس لا يقتنعوا بما هو خارج القرآن و السنة.