كرستين عوني |
نقرأ يوميًا عن حوادث كثيرة ومختلفة تتسبب في الوفاة في جميع البُلدان ومن هذه الحوادث ما يكون ناتج عن كوارث طبيعية لا دخل للإنسان فيها، ولكن ماذا إذا كان الإنسان يقرر إنهاء حياته بنفسه؟ ماذا لو صدق الصوت المتردد على أسماعه القائل له ب"البلد دي أحسن من غيرها"؟
ننساق جميعًا وراء معتقدات مختلفة منها الصحيح ومنها الخاطئ ولكن ماذا لو أدى هذا الانسياق إلى الموت؟ وذلك ليس على سبيل الدعابة أو المغالاة، فكم من مرة استيقظت على خبر وفاة عدد من المواطنين على قارب هجرة غير شرعية؟ وكم من مرة تمزق قلب أسرة كاملة بسبب غرق أحد الأقارب في المياه؟
الحوادث كثيرة وتحدث يوميًا وهذه إرادة الله عز وجل بالتأكيد ولكن نحن لنا يد أيضًا في اتخاذ القرارت!
فأين يكون عقل الإنسان حينما يقرر اتخاذ طريق غير معلوم وغير آمن فقط للوصول لأرض يعتقد أنها أرض أحلامه؟ هل اتخاذ مثل هذه الطرق ونحن نعلم نهايتها لا يعتبر انتحارًا؟
ميزنا الله جميعًا بالعقل ولكن لا اعتقد أن هناك عقلًا واعيًا قد يتخذ قرار مثل هذا!
فإذا كانت المقولة صحيحة بأن جميع البلاد مهما إن كانت أفضل من بلدنا فهل هذا يعني اتخاذ قرارات ساذجة؟ قرارات تؤدي للهلاك أو تقودك للذهاب "ورا الشمس"؟
ويراودني هنا سؤالًا هل لم تفكر من قبل لماذا خلقك الله في مصر وخلق آخرون بأمريكا وآخرون بالسعودية وغيرهم بالسودان على سبيل المثال؟.
اعتقد أن هذا السؤال راودك أثناء الطفولة وشغل عقلك لو لثوانِ محدودة، وقد تظن أنك إذا خُلقت بمصر وقريبك بالولايات المتحدة الأمريكية فإن الله يحبه أكثر منك.
ولكن أشعر بأن لكل منا طريقًا محددًا يسلكه قد كتبه الله له قبل ولادته، وأتذكر في هذا الشأن الفنان ماجد الكدواني، حينما قال في حفل توزيع جوائز السينما العربية عام ٢٠١٧، أنه عُرض عليه الهجرة أكثر من مرة ولكنه دعا الله أن يدله على المكان الصحيح الذي خُلق من أجله وقال وقتها يارب أنت لو كنت عايز تخلقني بأي جنسية تانية كان زمانك خلقتني بجنسية أي حد تاني ولكنك أردت تخلقني مصري فأرجوك يارب طالما أردت كدة سيبني أعيش في مصر".
وهذا لا يعني أننا إذا وجدنا فرصة أفضل للعيش أن نتركها لكن علينا أن نفكر ايضًا في الطريقة الصحيحة للوصول إلى ذلك، فعندما يتعلق الأمر بحياتك يجب أن نلغي مقولة "الغاية تبرر الوسيلة".
أنا لا ارفض الهجرة بشكل مطلق لكن اكره حينما يقرر الإنسان الهروب من العيش في بلد أوضاعها سيئة ليذهب في بلد أخرى بنفس الوضع لكنها فقط في دولة أوروبية.
ولكن ايضًا لا ننسى أن للسينما دورًا فعالًا في هذا الصدد، فكم من عملٍا دراميًا ركز على أن للغرب الصدارة في الحياة المثالية، ووهمنا أنه يوجد حياة مثالية ووضع شكل محدد للحياة المثالية ولم تركز الدراما ايضًا على أن للأفراد تفضيلات مختلفة في الحياة فقد يحب فرد الطبيعة الخلابة وآخر يعشق الضوضاء وآخر لا يهمه من الأساس كل هذا ويفكر في الماديات فقط.
والأمر يشكل خطورة كبيرة على المجتمعات، سواء إن كانت الهجرة الشرعية أو الغير شرعية، فكلاهما يشكلان خسارة سواء إن كانت خسارة عقول أو أرواح، والسؤال هنا لماذا يتمنى المصريون بالأخص العيش خارج البلاد؟ هل السبب الوحيد هو تدهور الاقتصاد؟ أم تدني الفرص الوظيفية؟ أم هي عُقدة الخواجة فقط ولا يوجد سبب واضح ومحدد؟
والآن أنا لا أو أشجع على الهجرة أو أرفضها ولكن أفحص الأسباب المؤدية لذلك، هل هو العقل الجمعي أم الظروف الاقتصادية أم الاجتماعية أم لا يوجد أسباب واقعية من الأساس ولكنها رغبة نتوارثها فقط من جيل إلى جيل، فحينما كنا في السادسة من عمرنا ونطلب "البلايستشين" من آبائنا يقولون "ياريتنا كنا عايشين بره مصر كان زماننا عارفين نجيب اللي عايزينه" ظنًا منهم أنهم إذا خرجوا بره الحدود سيكون لديهم كل ما يتمنون، وبالطبع مثلما نتوارث الصفات نتوارث الرغبات، فنكبر وحينما نريد أي شيء في الحياة ولا نستطيع الوصول لها نردد "العيشة بره مصر أحسن".
الأمر في غاية الخطورة فكل العقول المهاجرة والأرواح المفقودة تشكل خطرًا على المجتمع، فنحن بحاجة لكل عقل مفكر وروح مثابرة، فإذا اتخذنا قرارًا بالسفر للخارج واستطعنا تحقيق أهدافنا علينا ألا ننسى أن لأوطاننا واجب علينا وعلى الأقل ننسب النجاح لها أو نساهم في تحسين اقتصاد الدولة من خلال دخول العملة الصعبة، وإذا قررنا الاستقرار هنا فلابد من المثابرة والتأني في الوصول للفرص الصحيحة لأن النجاح والحياة الهادئة المستقرة لا تأتي على طبق من ذهب!.