كتب: بدرالدين حسن هنو
تزخر السيرة الشعبية بالعديد من البطولات، ويوم بعد يوم صار هؤلاء الأبطال وسيرهم أصنامًا، لكن هل هؤلاء كانوا كذلك حقًا أم أنهم أبطال من ورق؟ سنكتشف ذلك في هذا التقرير.
سعيد مهران في اللص والكلاب
اللص والكلاب |
من منا لم يتعاطف مع شخصية سعيد مهران في فيلم اللص والكلاب للروائي نجيب محفوظ، الذي صوره الفيلم والرواية من قبله كضحية لمجتمع قائم على المظاهر والشعارات، لكن في حقيقة الأمر، هذه الشخصية مأخوذة عن شخصية حقيقية اسمها محمود سليمان، عاش محمود في الإسكندرية، واشتهر بأنه سفاح خطير، وذلك بسبب قيامه بتنفيذ عدة عمليات قتل وسطو مُسلح، لكن نجيب محفوظ قرر أن يجعل السفاح بطلًا، وربما يعود ذلك إلى انشغال الصحافة حينها بسرد معلومات مغلوطة وحكايات حول شهامة وبطولات القاتل، وتركيزه على اغتيال الأثرياء الذين كونوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة.
خُط الصعيد .. عقدة شرطة أسيوط
خُط الصعيد |
أما خط الصعيد الذي صارت الأمثال تُضرب به بسبب أساطير عديدة تناولتها الألسنة حول شجاعته، فكان سفاحًا، وكان كذلك يعمل كقاتل مأجور، وقد ارتكب العديد من الجرائم الدموية، وفَرَضَ الإتاوات على الأغنياء، وقَتَلَ الرجال، واغتَصَب النساء، وخَطَفَ الأطفال، وتحول إلى عقدة لشرطة أسيوط، للدرجة التي جعلت ضابطًا من ضباط شرطة يُصاب بالشلل، عندما وجد نفسه فى مواجهة محمد منصور الخط المجرم الذى تطارده الداخلية.
وأصل قصة خط الصعيد ترجع إلى وقوع معركة بين شيخ خفراء قرية درنكة، والخط، وفيما بعد تحولت إلى ثأر قتل فيه رجال كثيرون، وهرب الخط وأخوته إلى مغارة فى الجبل خوفًا من الموت، وتحول الأخوة الهاربون من الثأر إلى عصابة، فكان رجال الشرطة في قرى منفلوط بأسيوط لا يجدون أية إفادة من الأهالي حول جثث القتلى من الفلاحين والمزارعين الذين يُقتلون كل يوم، إما خوفًا منه أو تسترًا عليه أو للسببين.
وبحلول سنة 1948 قامت الشرطة بتخليص الناس من شروره، عندما طاردته حتى قتلته، وكان اسمه الكامل "محمد منصور سر الختمة". وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات، تم اختصار اسمه ليصبح "محمد منصور الخت"، ولأن كلمة "الخت" تعنى فضلات الحيوانات، استبدل الناس "التاء" بالطاء، فأصبح اسمه "الخط" بفتح الخاء.
سليمان الحلبي .. بطولة مزيفة
سليمان الحلبي |
وخسة خط الصعيد تقابلها خسة أخرى من الطالب الأزهري سليمان الحلبي، نعم كما قرأت، يُعد سليمان الحلبي شخصية من الشخصيات التي صارت أصنامًا بفعل تمجيد الأدبيات الإسلامية له، وإضفاء صفة الجهاد على ما فعله من قتل لقائد الحملة الفرنسية كليبر، وقد لا يكون المصريون افتخروا بالحلبي كما فعل الإسلاميون خاصًة أتباع الدولة العثمانية التي كانت تحتل مصر في ذلك الوقت، لكن حقائق أخرى تكشف أن الحلبي لم يفعل ما فعل بدعوى الجهاد ولا الإسلام ولا مصر ولا الدولة العثمانية.
كان الحلبي قد شكا من والي حلب إلى ضابط يعرفه جيدًا يُدعى أحمد أغا، وطلب من الضابط أن يتوسط له من أجل رفع المظالم عن كاهل والده، فوافق الضابط بشرط أن يسافر الحلبي، ويقتل قائد الجيش الفرنسي، ربما ثأرًا لهزيمة العثمانيين في معركة هليوبوليس على يد كليبر، فوافق على ذلك الشرط دون تردد.
كان كليبر يسير مع كبير المهندسين الفرنسيين في حديقة منزله بالأزبكية، حينها دخل إليه شاب عربي، وأخذ يقترب منه، وقد تركه كليبر يتمادى في قربه ظنًا منه أنه في حاجة إلى مساعدة، فمد الحلبي يده اليسري راغبًا في مصافحة كليبر، وبالفعل صافحه القائد الفرنسي، الذي لم يعرف أن الحلبي سيقبض على يده ويطعنه بيده الأخرى بخنجر صغير 4 طعنات.
علي الزيبق .. شخصية وهمية
علي الزيبق |
ومن الأفلام التي حصلت على إشادات كبيرة فيلم "الكنز"، وكانت شخصية "علي الزيبق" من الشخصيات الرئيسية التي تناولها الفيلم، والحقيقة أن صورة "علي الزيبق" مرتبطة في القصص الشعبي بالمغامرة والذكاء، وقد دارت أحداث الفيلم في ذلك الإطار، وظهرت الشخصية التي لعبها الممثل محمد رمضان في صورة شجاعة باسلة تبحث عن الحق.
لكن حقيقة الأمر أن علي الزيبق شخصية وهمية لا أساس لها، وكل ما في الأمر أن أحد الكتاب ألَّف كتابًا عن مغامرات علي الزيبق خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد انتشر الكتاب بين المجتمع المصري، حتى تحولت تلك البطولات والحكايات الوهمية إلى مواويل تُغنى على الربابة.
وسواء كانت الشخصيات السابقة لها أساس واقعي أو كانت متخيلة، فإنها خير دليل على أن مجتمعنا لديه القدرة على صناعة ليس فقط أبطالًا من ورق بل كذلك أصنامًا من ورق، فهو يصنع الخرافة، ويُبَدِل الحقائق بكل أريحية، ويتعاطى خلطته السحرية تلك، فيُغَيب عقله الذي يصبح فيما بعد بيئة خصبة لقبول الأفكار المغلوطة عن كل شيء.