كتب: بدرالدين حسن هنو
يحرص الكثير من الناس على اختلاق صلة تربط بين أنبياء الله المذكورين في التوراة ثم في القرآن، وبين ملوك مصر القديمة، وذلك على الرغم من عدم ورود ذكر لأي من الشخصيات التوراتية في الآثار المصرية القديمة المكتشفة حتى الآن، هذه الفجوة المعرفية فتحت الباب أمام العديد من الدراسات الأجنبية والكثير من المتدينين لمحاولة التقريب بين التاريخ المذكور في الكتب المقدسة والتاريخ المكتشف عبر آثار مصر القديمة، وهو ما نتج عنه العديد من الأفكار المغلوطة حول ملوك مصر القديمة.
وفيما بعد صارت تلك الأفكار الأساس الذي اعتمدت عليه حركات الإسلام السياسي في جعل المصريين يكرهون تاريخهم المصري، وينظرون إليه بنظرة دونية بزرع العداء بين حكام مصر وأنبياء الله، وذلك لربطهم الخاطئ بين بعض ملوك مصر وبين الحكام الذين اقترن ذكرهم في التوراة والقرآن بالأنبياء كإبراهيم ويوسف وموسى وتزامنوا معهم، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على تلك الأفكار المغلوطة ونصححها.
إبراهيم وإخناتون .. هل كانت ثمة صلة بينهما؟
تأتي البداية عند النبي إبراهيم، فمن النظريات الغريبة حول إخناتون هو ما طرحه الباحث سعد عبد المطلب في كتابه "إخناتون أبو الأنبياء" بأن النبي إبراهيم هو نفسه إخناتون، وأن ثورته الدينية ودعوته إلى التوحيد هي نفسها دعوة النبي إبراهيم، حيث يقول أن إمنحتب الرابع (إخناتون فيما بعد) وجده والده الملك إمنحتب الثالث يقول أنه مولود من الإله، فثار على كفر والده، وبدأ في نشر دعوته، والمعروف أن النبي إبراهيم هو الآخر ثار على والده وعبادة والده للأوثان.
ويضيف عبد المطلب إلى طرحه فيَخلُص إلى أن التماثيل التي هدمها النبي إبراهيم في القصة التوراتية هي تماثيل ممنون الموجودة في معبد إمنحتب الثالث، لكن القصة تقول أن إبراهيم قد ترك تمثالًا واحدًا فقط، في حين أن تماثيل ممنون الموجودة في الأقصر حاليًا هي اثنان وليست واحدًا، والحقيقة هي أن إبراهيم النبي وإخناتون ليسا من أصابا الضرر بمعبد إمنحتب الثالث ولا تماثيل ممنون، وإنما الفيضانات والزلازل التي أصابت تلك المنطقة خاصة زلزال عام 1200 ق.م.
كما أن دلالة اسم إبراهيم العبرية التي تعني "أبو الأمم" تختلف عن دلالة اسم إخناتون التي تعني "النافع لآتون"، وعلاوة على كل ما سبق، فالمفهوم التوحيدي لدى إخناتون يختلف كلية عن المفهوم التوحيدي لدى إبراهيم.
النبي يوسف جد إخناتون
أما في عام 1987، انتشر ادعاء من باحثين هما أحمد عثمان وسيد كريم يفيد بأن النبي يوسف هو نفسه يويا أحد أهم رجال الدولة في مصر في عهد الملك "أمنحتب الثالث"، وعزيز مصر المذكور في الكتب الدينية هو "أمنحتب الثاني"، وهو الذي عاش يوسف في قصره حتى سُجن بسبب قصة إغواء زوجة العزيز ليوسف، وبعدما فسر حلم العزيز كوفئ بالإشراف على خزائن مصر.
وتم الاستناد في ذلك الادعاء على أن يوسف ويويا من أصول آسيوية، واسميهما من أصل عبراني، وكلاهما ماتا عن عمر 110 عامًا، لكن ما غفل عنه أصحاب الادعاء هو أن التوراة تذكر أن النبي موسى وقت خروجه وبني إسرائيل من مصر أخذوا معهم رفات النبي يوسف، وذلك بناء على طلب من النبي يوسف من أهله، في حين أن يويا ظلت مقبرته في مصر لآلاف السنين حتى تم العثور عليها عام 1905 في وادي الملوك، ومن ثم يستحيل أن يكون يويا هو يوسف.
وهناك محاولات بحثية أخرى تزعم أن يوسف ويويا كانا نفس الشخص، لأن يويا فيما بعد سيصير جد الملك إخناتون الذي قام بثورة دينية في مصر، ودعا إلى توحيد الإله آتون بدلًا من آمون، وذلك لمحاولة إثبات أن إخناتون استوحى فكرته من جده يويا أو يوسف، وبعض الادعاءات الأخرى تقول أن يوسف هو إخناتون نفسه.
لكن على الجانب الآخر من هذه الادعاءات يذكر المؤرخ "مانيتون" لقب أحد رؤساء قبائل الهكسوس وهو "أسيس"، وهو قريب إلى لقب "عزيز مصر"، في حين أنه لم يتم إيجاد أي أصل لهذا اللقب في أسماء ملوك مصر القديمة، كما أن وصول النبي يوسف لمنصب كبير في الدولة، وهو غير مصري، لم يكن ليحدث في عصر كانت فيه الدولة المصرية قوية، وإنما ضعيفة كالفترة التي احتل فيها الهكسوس مصر، والتي طُمست آثارها بعد حرب التحرير التي قادها أحمس.
فرعون موسى ليس ملكًا مصريًا
خرج علينا سيجموند فرويد في كتابه (موسى والتوحيد) بنظرية غريبة ربط فيها بين إخناتون والنبي موسى، وذكر فيها أن موسى كان من أقارب إخناتون وأحد المؤمنين بالدعوة لعبادة آتون، وبعد موت إخناتون ذهب موسى ليهود جاسان، وخرج مع المصريين المؤمنين فيما يُعرف بالخروج الكبير، ولا يعلم أحد ما المصدر التاريخي الذي اعتمد عليه عالم النفس فرويد.
وطبقًا للتوراة والقرآن، ففرعون الخروج الذي رفض الإيمان برب موسى قد مات غرقًا، لكن هذه الحقيقة لم ينتبه إليها من ادعوا أن فرعون العذاب كان أحمس، وفرعون الخروج كان تحتمس الأول، لأن مومياء تحتمس الأول تكشف لنا أن طريقة وفاته كانت طبيعية، وادعاء آخر يقول أن فرعون موسى كان تحتمس الثاني، معتمدًا على ذكر إصابة فرعون موسى بمرض جلدي بسبب اللعنات التسع التي تذكرها التوراة، لكن الحقيقة تقول أن تحتمس الثاني توفي نتيجة تضخم عضلة القلب لا نتيجة مرض جلدي.
والخرافة الأكبر في ذلك الأمر هو القول بأن فرعون موسى هو نفسه رمسيس الثاني، وما يكشف حقيقة هذه الكذبة هو أن رمسيس الثاني توفي حينما بلغ من العمر 92 سنة، وكان يعاني من مرض الروماتيزم، ولذلك فمن المستحيل أن يجري رجل في هذه الحال وراء موسى النبي، كما أن سبب وفاة رمسيس الثاني لم تكن الغرق، وإنما خراريج في أسنانه.
ووفقًا لكل ما سبق يتبين إلينا بوضوح دلالة تصريح العالم المصري دكتور زاهي حواس بشأن عدم وجود أي ذكر للأنبياء في مصر القديمة، وهو تصريح لا يدل على عدم وجود هؤلاء الأنبياء على الإطلاق، وإنما يدل على أن زمن تواجدهم في مصر كانت فيه الدولة محتلة أو في حالة ضعف، ومكان تواجدهم لم يكن في قلب الإمبراطورية المصرية القديمة وإنما في أطرافها حيث كانت محتلة.