كتب: بدرالدين حسن هنو
من الصفحات المجهولة في تاريخنا تلك الصفحات التي تخص اليهود المصريين، وخاصًة تلك الصفحات التي تخص تراثهم، فكثير منا لا يعرف شيئًا عن التراث المصري اليهودي، وقليل منا يعرف أن اليهود المصريين في طريقهم إلى الاختفاء، فما الذي يمثله ذلك التراث؟ وما هو مصيره المستقبلي؟ هذا ما سنكتشفه سويًا عبر ذلك التقرير بناءًا على المعلومات التي استقيناها من الأستاذة ماجدة هارون، رئيس الطائفة اليهودية.
هل تتخيل أن ثاني أقدم مقبرة لليهود في العالم تقع في مصر؟! إنها مقابر البساتين التاريخية التي تملك رئيس الطائفة وثيقة تأكيد على ملكية اليهود لهذه المقابر من أحمد بن طولون الذي حكم مصر بين عامي 868 م و884م، أي أن هذه المقابر يمتد عمرها لأكثر من 1100 سنة.
أما عن المعابد، فما تبقى حاليًا من معابد لليهود في القاهرة هم 12 معبدًا، في المحلة الكبرى بقايا معبد، وهو معبد «الخوخة»، الذي بُني في 1044 م، وكان المعبد يحتوي على لفائف التوراة مكتوبة على جلد الغزال بماء الذهب، وكذلك على نافورة رخامية، وشمعدان فضى، لكن تمت سرقة كل مابه حتى الرخام، ظنًا من الناس بوجود كنز به، وفي الإسكندرية تبقى معبدان أحدهم تم ترميمه وهو «إلياهو هانبي» بشارع النبي دانيال والآخر مغلق.
كتب التراث المصري اليهودي لا تقتصر على الدين فقط
كما أن التراث المصري اليهودي يضم 3 مكتبات ضخمة تحت رئاسة الطائفة، وفي هذه المكتبات كتب باللغة العبرية، العربية، الألمانية، والفرنسية وموضوعاتها في كافة المجالات لا الأمور الدينية فقط، وتمت الاستعانة بطالبات من كلية الآداب قسم اللغة العبرية من أجل فهرسة الكتب العبرية، وفي هذه المكتبات يوجد أيضًا الجزء الثالث من النسخة الأصلية للتوراة العبرية المُشَكَلة، والتي تستخدم حتى الآن في العالم كله، وهي محفوظة في لفائف داخل المكتبات، وتأمل رئيس الطائفة أن تتاح هذه الكتب للجميع من أجل البحث والدراسة، لأن حسب قولها "الكتب لازم تعيش من خلال قراءتها باستمرار".
وتحكي الأستاذة ماجدة هارون عن مطالبة يهود المهجر بتلك اللفائف لكنها رفضت أن تخرج من مصر حتى لو لم تستخدم في الداخل، فهو على حد وصفها "تراث مصري يهودي ملك للمصريين ومش من حق أي حد غير المصريين ينتفع بيه"، وذكرت أنها مادامت على قيد الحياة فلن يخرج أي شيء من ذلك التراث إلى الخارج لأنه تراث مصري.
وفي تصريح سابق لرئيس الطائفة قالت فيه أنها لم تجد الأشياء في أماكنها حينما تسلمت مقر الطائفة في العباسية، فما الذي حدث؟ تخبرنا السيدة ماجدة هارون بأن في مقر الطائفة هناك وثائق تخص حياة اليهود المصريين ومواليدهم ووفياتهم وزيجاتهم، وربما سُرقت منها أوراق قبل أن أتسلم مقر الطائفة، والدليل أن هناك أوراقًا تخص اليهود المصريين متواجدة في نيويورك، أما الآن كل الأوراق تقع تحت إشراف وزارة الثقافة.
التراث المصري اليهودي في رعاية رئاسة الطائفة اليهودية
التراث المصري اليهودي الآن يقع بأكمله تحت رعاية رئاسة الطائفة اليهودية، لكن تبقى عدد قليل جدًا من اليهود المصريين يطرح تساؤلًا ملحًا، وهو ما مصير ذلك التراث بعد انتهاء الطائفة اليهودية في مصر؟، أو انقراضها حسب وصف رئيس الطائفة الحالية، الإجابة تكمن في جمعية قطرة اللبن التي أنشئت في 1920 بهدف مساعدة الفقراء والأيتام من اليهود المصريين، وسُميت بذلك الاسم لإعطاءها كوب لبن بشكل يومي لهم، وفي 2015 تقدمت رئيس الطائفة بطلب إلى وزارة التضامن الاجتماعي لزيادة هدف المحافظة على التراث المصري اليهودي إلى أهداف الجمعية، لذلك فالجمعية هي من ستحمل شعلة الحفاظ على التراث اليهودي فيما بعد أي بعد انتهاء الطائفة اليهودية في مصر، وتحوي شبابًا من المسلمين والمسيحيين المتحمسين لأمر صيانة التراث المصري اليهودي، وقد قاموا بتنظيف المعابد، وحاليًا دور الجمعية يكمن في الحفاظ على التراث والتفاعل مع المجتمع لتوصيل إليهم المعلومات عن يهود مصر وتراثهم بشكل مبسط.
التراث المصري اليهودي ما بين أكلات وأزياء وموسيقى ورقصات
وبالتنبيش بين صفحات التراث المصري اليهودي عن أكلات أو أزياء أو موسيقى أو رقصات خاصة باليهود المصريين، تخبرنا رئيس الطائفة بأن كل الأكلات التي كانوا يأكلونها هي أكلات مصرية، وهناك بعض الأكلات مثل الرقاق المصنوع من الماء والدقيق، وكانوا يأكلونه في عيد الفصح لأنهم لا يأكلون الخميرة المصنوع بها الخبز العادي في ذلك العيد، كما تكشف أنه لا يوجد رقصات أو زي معين، وتعبر عن ذلك في قصة من روايتها قائلة "من سنتين رحت معهد العالم العربي في باريس لحضور معرض عن يهود الشرق الاوسط، اكتشفت أن يهود اليمن ويهود المغرب كان ليهم زي معين وموسيقى معينة، أما يهود مصر كان لبسهم عادي زي كل المصريين؛ لأنهم كانوا دايبين في المجتمع المصري".
الآن حلم حياة آخر رئيس للطائفة اليهودية في مصر أن تُقام حفلات مصرية في المعابد اليهودية، واستغلال تلك المعابد للأنشطة الفنية والثقافية بدلًا من كونها مغلقة مهجورة يسكن الصمت في جوفها، والأتربة في ثناياها، فالأفضل أن يأتي الزوار باستمرار إلى هذه المعابد ليستمتعوا بجزء هام ومختلف من التراث المصري.