صلاح الدين |
كتبت: سارة عبد الحميد
قدمت السينما المصرية العديد من الأفلام التاريخية التي حققت نجاحًا باهرًا، وحطمت الأرقام القياسية في الإيرادات وقت طرحها في الأسواق، ولكن على الرغم من هذا النجاح إلا أن التلاعب في إعداد السيناريوهات لم يدع للحقيقة مجال، فنتج عنها رصد العديد من الأخطاء التاريخية التي ربما يكون غفل عنها البعض ولم يتحقق منها، والتي قد تكون اقتضتها الحبكة الدرامية فأدت إلى ظهورها بهذا الشكل، ونستعرض خلال السطور التالية أهم تلك الأعمال.
مآخذ درامية في "واإسلاماه"
وا اسلاماه |
يُعد فيلم "وا إسلاماه" أحد أفضل أفلام السينما المصرية، ولكن نتيجة الحبكة الدرامية ظهرت بعض الأخطاء التاريخية التي لا يمكن التغافل عنها، والتي تجلت واضحة في عدة مشاهد منها وقوع "خوارزم" في أيادي التتار، وقيام "محمود رياض" القائم بدور الخادم ببيع "محمود" و"جهاد" حتى يختفوا وسط المماليك، ولكن حقيقة الأمر تتجسد في أنه عندما سقطت "خوارزم" تم اختطاف "جهاد" ابنة أمير خوارزم وابن عمتها "محمود"، وتم أسرهم، وتحول اسم جهاد إلى "جولنار" ومحمود إلى "قطز" وبيعت "جولنار" لرجل مصري، أما "قطز" فكان تحت قيادة القائد بيبرس.
وفي سياق متصل تظهر تلك الأخطاء أيضًا في مشهد بحث التتار والمغول عن "محمود" و"جهاد" للقضاء عليهم والاستيلاء على الحكم، فالحقيقة تقول بأن التتار والمغول كانوا بالفعل قد استولوا على كل الأراضي سياسيًا وعسكريًا، وبالتالي لا حاجة للبحث عنهما، كذلك الأمر في مشهد قتل "شجرة الدر" لـ"عزالدين أيبك"، حيث أوضح السيناريو أن سبب القتل هو معرفتها بزواجه وإنجابه من أخرى، ولكن في الواقع أن "شجرة الدر" كانت تعرف عند زواجها من "أيبك" أنه متزوج ولديه ولد، وأما عن سبب قتلها له فيعود لمعرفتها برغبته في الزواج للمرة الثالثة.
من ناحية أخرى يأتي قتل زوجة "أيبك" لـ"شجرة الدر" في نافورة المياه منافيًا للحقيقة التاريخية، لأن ما حدث يتمثل في أن "أم علي" زوجة "عزالدين أيبك" أمرت المماليك بالقبض على "شجرة الدر"، وتسليمها لها لتضربها بالقباقيب ولكن أثناء محاولة "شجرة الدر" الهرب لم تتمالك نفسها فوقعت من سور القلعة ولاقت حتفها، لتأتي نهاية الفيلم أيضًا حاملة معها خطأ جسيم آخر وهو رفع "جولنار" العلم وهي تردد «وإسلاماه»، وزواجها من "قطز"، فالحقيقة تفيد بأنه عند تقدم التتار في صفوف المسلمين حاول ثلاثة جنود قتل "قطز" فقام "قطز" بقتل اثنين، أما الثالث فقُتل بطعنة من جندي مغولي، ومن ثم كشف "قطز" الغطاء عن الجندي الملثم ليعرف من هو، ليجدها زوجته "جولنار"، فحاول "قطز" إسعافها، وبدأ يردد: "وا حبيبتاه" "وا زوجتاه" لترد عليه "جولنار" وتقول له: "بل قل وا إسلاماه" وماتت حينها واشتدت بعدها المعركة وانتصر المسلمون على المغول.
"الناصر صلاح الدين".. في ميزان الحقائق المغلوطة
الناصر صلاح الدين |
وبالانتقال إلى فيلم "الناصر صلاح الدين"، فلم تخلُ مشاهده أيضًا من عدة أخطاء، جاء أولها في المشهد الذي يظهر فيه "عيسى العوام" مسيحيًا، والحقيقة أنه قائد عسكري مسلم، أما عن الخطأ الثاني فيأتي عند خيانة والي عكا، فالتاريخ يقول بأن والي عكا "بهاء الدين" يُعد من أحد القادة المخلصين، والذي استبسل في الدفاع عن عكا، وفي النهاية صَوَّر الفيلم مشهد مبارزة "صلاح الدين" للملك الفرنسي ضمن الحبكة الدرامية، لكن ما حدث في الواقع أن "صلاح الدين" قام بأسره ثم قتله، ولم تحدث بينهما مبارزة مثلما صوَّر الفيلم.
"المصير".. والصورة المشوهة للخليفة
المصير |
وعلى صعيد آخر يأتي فيلم "المصير" للمخرج "يوسف شاهين" حاملًا في طياته عدة صور نمطية عن دور الخليفة، فأظهره في شكل ظالم يكره الشورى ويعتد بنفسه، ولكن حقيقة الأمر أن الخليفة "المنصور" كان من أعظم الخلفاء، وهو من انتصر في موقعة "الأرك العظيمة"، وهو صاحب مقولة: "ادفنوني على قارعة الطريق كي يترحم علي عامة المسلمين".
من ناحية أخرى أشار الفيلم إلى فساد أبناء الخليفة واهتمامهم بالخمر والنساء، رغم أن "المنصور" في هذا الوقت أمر بإغلاق حوانيت الخمر وشدد على تطبيق الحدود، كما أن "محمد الناصر" ابن الخليفة "المنصور" أرسل كتب ابن رشد إلى مصر وسافر بنفسه ليودعها في مكتبات القاهرة لتُحفظ، فيما تناول "المصير" شخصية "ابن رشد" بأنه لا يمتثل للخليفة ويدافع بشدة عن الرقص والغناء، ولكن "ابن رشد" لم يخالف الخليفة، ولم يخالف نصوص الدين، ولم يدعُ إلى تحليل الرقص والأغاني وكان مُجلًا للخليفة المنصور.
ارتفاع تكلفة "سرايا عابدين" لم تمنع عنه الأخطاء الدرامية
سرايا عابدين |
ويأتي مسلسل سرايا عابدين محققًا الرقم القياسي لأكثر المسلسلات تكلفة في تاريخ الدراما العربية، إلا أنه كان عملًا ملطخًا بالكثير من الأخطاء الفادحة، جاءت أشهرها في أحداث المسلسل التي بدأت في حلقته الأولى بعيد ميلاد الخديوي الثلاثين، في الوقت الذي وُلد فيه الخديوي إسماعيل عام 1830 أي من المفترض أن أحداث المسلسل تدور سنة 1860 هذا في الوقت الذي تقلد فيه الخديوي إسماعيل حكم مصر سنة 1863 أي أنه بعد أحداث المسلسل بثلاث سنوات، بمعنى أن إسماعيل باشا لم يكن وقتها حتى وليًا للعهد.
كما أنه في تلك الأثناء لم يكن قد حصل على لقب "الخديوي"، ولقد كان لقب حاكم مصر منذ عهد "محمد علي" هو "والي مصر"، ولم يحصل إسماعيل على لقب "الخديوي" إلا عام 1868، ومن المآخذ الدرامية أيضًا أن عيد ميلاد الخديوي الثلاثين كان يدور داخل قصر عابدين، وهو أحد أهم القصور في مصر، ولكن تاريخيًا أمر الوالي "إسماعيل" ببناء هذا القصر الذي يحمل اسم أحد أهم القادة العسكريين سنة 1863، وذلك بعد توليه الحكم ولم يتم الإنتهاء من بنائه إلا سنة 1868، كما لم يصبح مقر الحكم الرئيسي للدولة العلوية إلا بدايًة من سنة 1872، أي أنهم سكنوا هذا القصر بعد أحداث المسلسل بـ 12 عامًا.
لتأتي الموسيقى التي كانوا يرقصون عليها ضمن أحداث المسلسل حاملة معها أحد أكثر تلك الأخطاء فداحة، فكانت موسيقى من نوع "الفالز" بعنوان "الدانوب الأزرق"، وهي من تأليف الموسيقار النمساوي "يوهاش استرو" والتي ألفها سنة 1866، وجاء العرض الأول لها سنة 1867، أي بعد أحداث المسلسل بـ7 سنوات.