دار الإفتاء |
كتبت: أميرة جمال وسها صلاح
تضج مصر بالعديد من المقامات والأضرحة، ويتزايد انتشارها يومًا بعد يوم، منها ما نعرف تاريخها ومنها من لم نستدل حتى على أصحابها، ولكن يتردد عليها الكثيرين، ربما من أجل الدعاء، أو إحياء ذكرى أصحابها، وأحيانًا أخرى "لنيل البركة" كما ذكر البعض.
ومن أشهر هذه المقامات: مقام سيدنا الحسين، السيدة زينب، والسيدة نفيسة، ولعلك تتساءل الآن عن رأي الدين في مثل هذه الأمر، لذا نستعرض في السطور التالية آراء بعض المعارضين والمؤيدين لفكرة التوسل بالأولياء ونرصد تجارب حية تحققت مع بعضهم.
زيارة المقامات بين الرفض والقبول
أوضحت منة عبد الله، طالبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أنها ترفض تمامًا الذهاب إلى المقامات والأضرحة والتوسل بأولياء الله الصالحين لأنها تقتنع أن ذلك حرام شرعًا، مُشيرة إلى أنه من غير المنطقي الذهاب إلى الأضرحة والمقامات، وأضافت قائلة: "لماذا أضع وسيط بيني وبين الله؟ فمن المفترض أن ادعي الله عز وجل مباشرة ولا أضع وسيط بيننا كالذهاب إلى سيدنا الحسين أو السيدة زينب والتوسل بهم مثلًا!".
"لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، هكذا بدأ محمد أحمد، طالب بكلية العلوم جامعة القاهرة، في التعبير عن رأيه بخصوص الأضرحة والمقامات، موضحًا أن الرسول أكد في هذا الحديث الذهاب إلى المسجد النبوي، المسجد الأقصى، والمسجد الحرام، مؤكدًا أن التوسل بالأولياء يعتبر شرك لأنه لا داعي لوجود وسيط بين الشخص وربه وخصوصًا أن الأولياء بشر مثلنا.
في سياق متصل أوضح أشرف محمد، طالب بكلية الطب جامعة المنصورة، أن زيارة الأضرحة مُحرمة وأنها قد تدفعهم للشرك بالله فقد كانوا في الجاهلية يتخذون مثل هذه الأشياء وسيلة للتقرب من الله ثم أصبحوا يعبدونها، مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى أكد أن أمة الإسلام مُنع الشرك فيها، إذ قال رسول الله - صلى عليه وسلم-: " إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم"، واستطرد أشرف بأن التمسح بالضريح هو محبة لصاحبه، كأنه يريد أن يحتضنه، وليس به أي مشكلة.
"بنت عمي قعدت كتير مش بتخلف، ولما راحت المقامات والأضرحة ودعت كتير خلفت بس مش هقدر أقول غير إن ده حصل صدفة مثلًا"، هكذا عبرت ياسمين محمد، طالبة بقسم الصحافة كلية الآداب جامعة القاهرة، عن رأيها في زيارة المقامات والأضرحة، مؤكدًة أنها تذهب للصلاة في السيدة نفيسة في شهر رمضان هي وكل أسرتها، وأنها لن تخسر شيء من الذهاب إلى تلك الأماكن، بل إنها تصلي وتدعي لله مباشرة وليس للأولياء، موضحًة أن تلك الأماكن بها بركة وخير.
من جانبها أشارت حبيبة محمد، معيدة بكلية التجارة جامعة بنها، أنها تذهب إلى المقامات والأضرحة في محافظات مصر المختلفة لكن بغرض الزيارة فقط كمكان تاريخي وليس للتوسل بهم، مؤكدًة أنه عند ذهابها إلى تلك الأماكن شعرت بحزن شديد؛ بسبب رؤيتها لبعض الأفراد يتوسلون بسيدنا الحسين أن يشفع لهم ويحقق لهم أمنياتهم.
اختلاف العلماء على إيجاز التوسل بالأضرحة
"الموضوع ده أصلًا نقطة خلاف كبيرة بين الجماعة المتصوفة وبين الجماعة السلفية الوهابية"، هكذا عبر سالم عبد الله، قاضي بمجلس الدولة، حيث قال أن" السلفية يقولون أن هذا حرام وبدع وشرك وليس له أيُ أساسٍ من الصحة، أما المتصوفون يقولون أنه جائز وكل منهم له أدلة على قوله"، كما يرى أن الأضرحة والمقامات يوجد منها الحقيقي وغير الحقيقي، وضرب على ذلك مثلًا بأن الحقيقي كمقام سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الشافعي وغيرها.
وإضافة إلى ذلك أوضح سالم، أن بعض الناس يخدعون من حولهم، ويبنون مقام بـاسم شخص ما غير حقيقى، ولا يوجد شخص مدفون تحت المقام، و استكمل حديثه قائلًا: "أنا زورت كل تلك الأماكن، وكان يوجد مقام "ستنا سكينة"، ولها من اسمها نصيب، لما كنت بدخل المقام ده كنت بشعر بـ " راحة رهيبة"، مضيفًا أن مقام السيد البدوي فى طنطا كان يشعره برهبة، وأن مقام سيدنا الحسين يشعر فيه بالرحمة كذلك السيدة زينب.
وعلى صعيد آخر استنكر بعض الناس وما يطلبونه، حيث قال " بلاقي ناس تقول يا حسين خلي مراتي تخلف ويا حسين نجحلي ابني وأصلًا اللي بيعمل كده مش الحسين، اللي بيعمل كده ربنا عز وجل"، وأسهب قائلًا "ومن هنا يجب أن نفرق بين الشخص الفاهم وغير الفاهم، لأن الفاهم سيقول «يا سيدنا الحسين ادعيلي»، وهنا يأتى السؤال هل الأموات تدعو وتشفع لنا؟"، وما لبث أن أجاب قائلًا " نعم ويوجد حديث عن النبي، فقال -صلى الله عليه وسلم- ( تُعرض أعمالكم على أقاربكم وعشائركم فإن وجدوا خيرًا حمدوا الله)، وبالتالي ليس عيب أو جهل مثلًا أن ندعو رسول الله فى مقامه أن يشفع لنا، فمقام سيدنا النبي هو المقام الوحيد الذي يُعرف مكانه فى المدينة".
ومن ناحية أخرى أضاف سالم أنه من المفترض أن نفهم معنى التوسل أولًا، فالتوسل هو اتخاذ وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل، وللتوسل عدة أنواع منها أنني إذا استشعرت في أحد الصلاح والتقوى فسوف أقول له هل من الممكن أن تدعو لي؟ لعل بينه وبين الله عمار.
الإفتاء تحسم الجدال حول التوسل بالأضرحة
ونظرًا للخلاف الشديد حول التوسل بأولياء الله الصالحين، فإن الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، يوضح في تصريحاته السابقة، أننا في التوسل بأولياء الله الصالحين لا نطلب منهم في ذواتهم، فلا حول لهم ولا قوة في ذلك ولكن من يتوسل بهم في الدعاء فهو يتأسى بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال لعمر (اشركني في صالح دعائك يا أخي). وأولياء الله الصالحين هم أناس أفنوا حياتهم في حب الله ورسوله لذلك فإن التوسل من التوحيد الخالص.
وفي هذا الصدد أفاد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، في لقاء له في برنامج "مكارم الأخلاق" على قناة صدى البلد، بأن علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها قد أجمعوا على جواز واستحباب التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد وفاته، واتفقوا على جواز ذلك شرعًا، وكذلك التوسل بأولياء الله الصالحين وآل بيت النبوة فهو مشروع ولا إثم فيه.
ومن هنا نستطيع القول بأن التوسل بالأنبياء وأوليا الله الصالحين جائز شرعًا وفق ما أفاد به أهل العلم، وذلك إن كان الداعي على يقين بأن من يحقق له مقصده هو الله -عز وجل- وليس من يدعوه ويتوسل به لأنه بشر لا حول له ولا قوة، فينبغي علينا ألا ننسى أن أمور حياتنا متعلقة بيد رب العباد وليس العباد، فلا تنسَ أنك تدعو إلى الله وليس لعبده، الذي هو بشر مثلي ومثلك.