الهجرة غير الشرعية |
كتب: أحمد حسن وكرستين عوني
يقولون دائمًا السينما هي مرآة المجتمع، فما يحدث على أرض الواقع تجسده الدراما ولكن مع إضافة بعض التفاصيل، وما يظهر على الشاشات لا يمُر مرور الكرام على المشاهدين؛ ولهذا السبب نجد جميع الجهات تنادي بأهمية فحص المنتج الدرامي قبل عرضه حتى لا نرى أشخاص يحاكونها في الواقع.
"أبو العربي" فيلم مصري أبطاله هاني رمزي ومنة شلبي، يدور حول شاب ساءت حالته المادية وأجبرته الظروف على الهجرة لليونان لكسب الأموال، وبالفعل عندما ذهب عن طريق مركب استطاع تحقيق آماله وأحلامه ولكن هذا لم يحدث مع العشريني عماد صبحي، الذي كان يملؤه الطموح والتفاؤل، وقرر اللجوء للهجرة غير الشرعية لإيطاليا أملًا في عيش حياة أفضل.
الهجرة غير الشرعية |
"لم يحالفني الحظ، كنت أتمنى عيش حياة أفضل، الجميع هاجر وتحسنت حياتهم أما أنا فلم استطع"، هكذا بدأ عماد صبحي حديثه عندما كان يروي قصة حدثت له مُنذ 17 عام، كان وقتها يطمح فقط في العمل بإيطاليا كـ"حلاق" للمصريين هناك، حيث أقنعه أصدقاؤه أن العمل خارج مصر يضمن له حياة اجتماعية جيدة، والهجرة غير الشرعية هي الحل الأمثل إذا لم يكن لديك أموال.
وبالفعل اتفق صبحي مع شخص ما يستطيع توفير مركب له، وأقنعه أن الطريق آمن وأن العديد مروا بسلام، وبالفعل قام بإقناع أهله بحُجة أنه عندما يسافر سيرسل لهم الأموال التي تُجلب السعادة والرضا، وأثناء سفره من مصر إلى ليبيا كان يرسم في خياله حياته هناك.
ولم يكن يعلم أن الأفكار التي بناها في عقله والتي سمعها من أصدقائه ستؤدي به للهلاك وتجعله على حافة الموت، ففكرة واحدة خاطئة يُمكن أن تتسبب في موت المئات من البشر وتدمير مجتمعات بأكملها.
"اقنعوني إني هسافر بطريقة آمنة"
عزم عماد على الهجرة لإيطاليا بسبب أن حالته المادية والاجتماعية لم تكن مستقرة في هذا الوقت، ولجأ إلى الطريقة الغير شرعية أو طريق الموت مثلما يسميه البعض، وقال "لو كنت أمتلك 80 ألف جنيه لأوراق السفر الرسمي مكونتش هسافر وكنت همتلك مشروعي الخاص بمصر" وأكمل "كان معايا 15 ألف جنيه هما اللي دفعتهم عشان أسافر عن طريق البحر".
وأضاف، "والدتي كانت تقف حاجزًا أمام سفري، ولكني قمت بإقناعها فبحكم عملي كوافير للرجال فأنا كنت سأقوم بالحلاقة للمصريين في إيطاليا وأستطيع جني أموال لا أحصل عليها في مصر".
وعاد ليحكي القصة التي كانت نهايتها محسومة من قبل بدايتها ولكن الأفكار التي زرعها الأصدقاء في عقله كانت تعميه عن هذه النهاية، وقال: "ذهبنا إلى ليبيا منطقة "سواني" وهي قريبة قليلًا من الشاطئ، وأقمت في فيلا لمدة 45 يومًا، ومعي العديد من الجنسيات منها تونس والمغرب وكانت طريقة تواصلنا هي الإشارة".
"وجاء ميعاد السفر لإيطاليا -أرض أحلامه- حينها ركبنا داخل عربة نقل المياه "الخزان" وكنا حوالي 45 شخص، نزلنا في بلدة صغيرة تطل على البحر وكنت أول فرد يضطر للنزول حينها سقطت على وجهي من ارتفاع حوالي 4 أمتار وحسيت إني بموت" هكذا قال عماد، وأكمل، "وأثناء تخطي الأسوار كنا نقوم بالقفز على أشجار "التين الشوكي" ثم استقرينا بمنزل مهجور من العاشرة مساءًا حتى الرابعة فجرًا".
عادة ما تصور لنا السينما والدراما هذه القصص ولكن بطريقة أحيانًا تكون مغلوطة وأحيانًا أخرى تكون عبارة عن نصف الحقيقة فلا أحد يدري أو يحكي ماذا يحدث للمهاجرين بطريقة غير شرعية، وأيضًا ما هي الحقيقة في البلاد الغربية، وعاد صبحي ليقول: "أثناء جلوسنا بالمنزل المهجور جاءنا نبأ القبض علينا جميعًا فقمنا بالهروب واحتمينا بأحد المساجد لتجنب الإصابة بالرصاص فكانت الحكومة تطلق علينا النيران وقتها".
وقال عماد بصوت مرتجف قليلًا "الحكاية كأنها حدثت أمس، دعونا الله جميعًا حتى يُنجينا، ولكن تم القبض علينا وتم ترحيلنا إلى مُعتقل صممته إيطاليا خصيصًا داخل ليبيا للقبض على المهاجرين غير الشرعيين، وقضيت 8 أيام في المُعتقل -كانت أيام عذاب- حسب ما وصفها، ولم تتوقف المأساة هنا فعندما ركبنا عربية الترحيلات كان السائق مخمورًا فانقلبت بنا العربية وردد المسلمون "لا إله إلا الله" وأنا أقول "ياعذراء يا أم النور".
كان يرى من وجهة نظره إن طريق الهجرة غير الشرعية هو أفضل طريق للسفر وهو الوسيلة للتغلب على غلاء الأسعار أو صعوبة المعيشة، ولكن ما عاشه في هذه الأيام جعله يرى الموت، فمن يُجزم أنه إذا كان هاجر إلى إيطاليا كان سيعيش سعيدًا أو راضيًا؟
سرح عماد بذاكرته وقال: "بالرغم من انقلاب العربة، لم يحدث لنا شيء وتم نقلنا للحدود للوصول إلى السلوم ومنها إلى الأسكندرية وكان مُجمل الرحلة هو "عذاب"، الموت كان قريبًا مني ورأيت قارب يغرق هو ومن فيه بسبب اشتعال النيران بالمحرك". وارتعش صوته عندما قال: "الناس مش بس غرقت في المياه دول اتحرقوا وماتوا قدامي".
الهجرة غير الشرعية |
فكرة واحدة كانت ستؤدي لدمار أسر بأكملها، بل وبالفعل تدمرت العديد من الأسر، فالاقتناع بأن الحياة المثالية بأن تكون بعيدًا عن وطنك أيًا كانت الوسيلة حتى إذا وصل بك الأمر للتضحية بحياتك فتلك خسارة فادحة في العقول، فقد خلقنا الله بعقول لنتميز بها عن بقية المخلوقات، فلماذا نُبطل عملها بأيدينا؟.
عاد عماد صبحي للزقازيق مرة أخرى لمسقط رأسه، ومحل عمله، ليقرر عدم تجربة الهجرة غير الشرعية مرة أخرى، قائلًا: "أتفهم جيدًا وضع الناس التي تلجأ للسفر بهذه الطريقة، ولكن لا تُدمر حياتك أو تخاطر بها".