كتبت: مريم ضياء، وندى علاء
تنتشر العديد من الخرافات التي لا نعرف مصدرها في مجتمعنا كارتداء الخرزة الزرقاء أو التشاؤم من القطة السوداء وغيرها، وتؤثر تلك الخرافات على المجتمع كونها مترسخة في عقول أفراده، وبالتالي فهي تتطلب اهتمام من علمي النفس والاجتماع اللذان يوجهان اهتمامًا للظواهر المختلفة في المجتمع، وعلى اعتبار أن الخرافة جزء لا يتجزأ من ثقافته فهي مرتبطة بعادات الشعب وتقاليده فقد حرصنا على إيجاد تفسيرات للإيمان بها والبحث في آثارها، وهنا سنقدم وجهة نظر أساتذة علم النفس والاجتماع حول التفكير الخرافي.
وفي هذا الصدد تقول نيرة محمد شوشة، مدرس علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن من أهم العوامل وراء انتشار الخرافات واستمرار اعتقاد الأفراد بها هو غموض الأحداث، فالإنسان بطبعه يميل للغيبيات؛ فإذا ازدادت الأحداث غموضًا وعجز الفرد عن تفسيرها بشكل عقلاني من الممكن أن يلجأ للتفكير الخرافي.
نيرة محمد شوشة |
كما أن أساليب التنشئة الاجتماعية تؤثر بشكل كبير في نقل الخرافات، فمن الممكن أن ينشأ الإنسان في أسرة مؤمنة بالخرافات رغم أن أفرادها نالوا قسطًا كبيرًا من التعليم.
وأضافت نيرة، يُعد السبب النفسي وراء استمرار اعتقاد الناس بالخرافات هو قابليتهم المرتفعة لتصديق هذه الأمور، واعتقادهم أن أحداث حياتهم ناتجة عن عوامل خفية وقدرات خارقة وأنهم ليس لهم دخل بما يحدث بها.
وتستكمل حديثها قائلة: "يجب التفريق بين الاعتقاد في الخرافات وممارسة الطقوس الخرافية، فكثير من الأشخاص الذين يدعون عدم اعتقادهم في الخرافات يمارسونها، فنجد على سبيل المثال السيدات ذوي التعليم والمستوى الاجتماعي المرتفع تلجأن للدجالين لمساعدتهن على الإنجاب.
كما أضافت مدرس علم النفس، "الاعتقاد بالخرافة يؤدي إلى إعاقة الفرد عن القيام بوظائفه الحياتية بشكل عام، ومن أكثر الخرافات التي نالت اهتمام الباحثين خرافة الرقم 13 مثل دراسة «كريمر وبلوك» (Block & Kramer, 2009) التي توصلت إلى أن الأفراد يتجنبون اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بشئون حياتهم في هذا اليوم تحديدًا، كما أنه يمكن أن ينعزل عن الآخرين نتيجة اعتقاده أن كل ما يحدث له من سوء هو نتاج السحر والأعمال التي يقومون بها ضده، وقد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم أو الإصابة بالاضطراب النفسي والعقلي، بالإضافة إلى أنه قد يستغل الدجالون والمشعوذون ميل الأفراد إلى التفكير الخرافي فيبتزونهم بالأموال ومطالب أخرى شاذة، مثل: جلب عدد من القطط السوداء التي لا تشوبها علامة بيضاء، أو جلب أظافر الشخص المراد وغيرها.
وأكدت شوشة أن تأثير المعتقدات الخرافية لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمتد تأثيره ليشمل المجتمع بأسره ويُطلق عليها "المعتقدات الثقافية" ويدعم ذلك أنها تعكس اعتقادًا اجتماعيًا يشترك فيه أفراد مجتمع ما، أو جماعة معينة في نطاق المجتمع العام، كما أنه مما لاشك فيه أن التفكير الخرافي جانب من جوانب الضعف في حياة المجتمع وأنه يعوق حركة التفكير والتقدم العلمي الذي يتوقف بدرجة كبيرة على تراجع تلك المعتقدات.
اضطرابات نفسية مرتبطة بالخرافات
وتشير أستاذ علم النفس، إلى أنه يوجد ارتباط إيجابي دال بين المعتقدات الخارقة والمكون الإدراكي للنمط الفصامي؛ والذي يتمثل في وجود إدراكات ومعتقدات غير مألوفة، حيث أنه من المحكات التشخيصية التي وضعها الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع (DSM-IV) لسمات النمط الفصامي وجود اعتقادات غريبة وتفكير سحري يتحكم في السلوك، مثل: الخرافات والاعتقاد في بعض الظواهر الخارقة كالتخاطر أو الحاسة السادسة.
كما تتشابه بعض الأفكار والسلوكيات القهرية التي تميز اضطراب الوسواس القهري مع بعض الخرافات والتفكير السحري، خاصة الخرافات المتعلقة بسوء الحظ، فمرضاه لا يلجؤون للطقوس الخرافية من أجل تحسين حظهم أو جلب الحظ الجيد، بل يلجؤون إليها لتجنب الحظ السيء وما قد يترتب عليه من أحداث.
ويتفق معها هشام بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، قائلًا: "إن مرضى الهستيريا والقلق أكثر من يلجؤون للتصديق في السحر؛ لأنها تساعدهم على الهدوء، فهم عادة ما يشعرون بالخوف؛ فقيامهم بأنشطة «كالزار» مثلًا تجعلهم يتغلبون على الشعور بالوحدة وسط تلك المجموعات، كما أن الأضحية المستخدمة بها يعتقد بأنها تخلصه من القلق الذي بداخله".
هشام بحري |
الخرافات ناتجه عن العجز العلمي والطبي
ويتابع «بحري» حديثه قائلًا: " قديمًا لم تكن هناك تفسيرات طبية لكل الأمراض فانتشرت العلاجات الشعبية في وقت كان الجهل الطبي والعلمي كبير مما أدى لظهور الحجاب والزار، كما أنه كلما عجز الإنسان عن فهم ما يحدث أو لم يجد حلًا في الطب لجأ للخرافات مثلما فعل عددًا من الفنانين في أمريكا عندما ذهبوا للهند لإيجاد علاج للسرطان عند طبيب يستأصل الورم بيده المجرده ثم اتضح أنه مخادعًا.
موروثات مترسخة
ويؤكد أستاذ الطب النفسي، أن العادات والتقاليد حتى الخاطئة منها تكون متوارثة في جينات الناس من جيل إلى آخر؛ وبالتالي مهما أخبرناهم بأنها ليست حقيقية لن يصدقوا و سيظلوا يعملون بها؛ لذلك لا يمكن منع انتشارها.
"الموروثات والمعتقدات الثقافية تعكس هوية كل مجتمع، والثقافة تحدد ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه"، هذا ما أوضحه شريف عوض أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب جامعة القاهرة، والذي أكد أن الثقافة التي تعلي من شأن معين أو تخفض منه، كما أن معيار النظام الاجتماعى الذى نعيش فيه هو الذى يحدد السلوك الإيجابي أو السلوك السلبي، وهذا يأتى كجزء من البنية الاجتماعية والثقافية وجزء من المجتمع الذى نعيش فيه، لذلك نجد أن المعتقدات تختلف من مجتمع لآخر.
وقال عوض، أن المعتقد الثقافي نشأ في بنية المجتمع عن طريق المحاولة والخطأ والتجربة، وليس من خلال كتب ومراجع علمية ولكن من خلال التجربة وإدارة الحياة المعيشية، فمثلًا عند تجربة ارتداء الخرزة الزرقاء، وكان لها مفعول للحماية من الحسد، إذا تكررت هذه التجربة مع أكثر من شخص أصبحت شائعة وعامة ومارسها باقي أفراد المجتمع، "أصبحت جزء أصيل من تكوينك العقلي والثقافي وتلعب دور كبير في تشكيل سلوكك".
وأضاف أستاذ علم الاجتماع، يوجد علاقة بين التعليم والاعتقاد الثقافي، ولكننا وصلنا لمرحلة تكون الثقافة والاعتقاد تجاوزًا التعليم، فمثلا ممكن أن نجد شخص حاصل على الدكتوراه فى مجال ما ولكنه لديه معتقد ثقافي بأن ارتداء الملابس بالمقلوب تحميه من الحسد، فمازال المعتقد الثقافي الذى تربى ونشأ عليه جزءً أصيلًا من تكوينه الثقافي والاجتماعي.
قوة المعتقد الشعبي
أما أحمد بدر، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، أكد أن المعتقد الشعبي يستمد قوته من الاتفاق الجمعي حوله وتمسك الأفراد به اعتقادًا منهم أنه يساعدهم في الحياة، ومحاولة منهم لجعل حياتهم أفضل، فهي تؤدي وظيفة في حياة الإنسان، وتجعله يتمسك بها ويستمر بالاعتقاد فيها، وأحيانًا لا تؤدي وظيفتها، ولكن حين ذلك يتهم الإنسان نفسه بالتقصير ويلومها أنه ارتكب فعل خطأ، على سبيل المثال الخرزة الزرقاء عندما لا تقوم بوظيفتها، وهي في اعتقاده أنها تحميه من الحسد، يلوم الفرد نفسه أنه السبب في عدم أداء وظيفتها.
كما أشار إلى أن كل مجتمع يؤمن ببعض المعتقدات فهي ليست قاصرة على ملامح مجتمع معين، فمعظم الشعوب على وجه الأرض لديها معتقدات تمتد أصولها لآلاف السنين وإن كان هناك بعض التطوير.
و أوضح «بدر» أن المعتقدات تعيد إنتاج نفسها، وهذا يعطيها قوة دفع واستمرارية، أى أنها تجد لها مؤيدين وبيئة تنتشر بها، وبالتالي يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دور في الترويج لتلك المعتقدات، بالإضافة إلى المدرسة التي تلعب دور غير مباشر في نقل المعتقدات بين الطلاب وبعضهم البعض، وغيرها من الآليات ووسائل إعادة إنتاج معتقدات وممارسات ثقافية معينة، ما يجعل معتقد معين يفقد استمراريته عندما لا يكون هناك مبرارت لوجوده أو استمراريته.
و اختتم «بدر» حديثه، قائلًا: "من الممكن أن يختفي معتقد بشكل معين، ولكن بعده يظهر معتقد بديل يؤدي وظيفة مشابهة، فلا يشترط أن يختفي المعتقد بشكل كامل، فقد يظهر المعتقد كامن في بنية المجتمع ويستمد قوة دفع غير حقيقية، ولا يمكن تحديد متى سيندثر المعتقد أو يختفي؛ لأنه بمرور الوقت يستطيع أن يستمر ويتوارثه الأجيال، كما يوجد اختلاف في مستويات إدراك الأفراد لتلك الأفكار بحسب عوامل كثيرة منها مستوى التعليم، نمط التنشئة الاجتماعية، والسياق الأسري والمجتمعي ومدى إيمان أسرته والمجتمع حوله بتلك الأفكار، وتأثير ذلك فيه بالبيئة المحيطة له كالأسرة والمدرسة.