كتب: بدر الدين حسن هنو- سارة عبد الحميد
عادة ما نأخذ الأحداث التاريخية التي تقدمها الدراما، أو نقرأها في الكتب التاريخية على محمل اليقين الذي لا يريبه شبهة، فلا نتحقق من حقيقة المعلومة، ولا صحتها تاريخيًا، بل نبتلعها كما هي، ونسقيها للأجيال التالية، حتى تترسخ في الأذهان ويصعب تصديق غيرها، واليوم من خلال التقرير التالي سنعرض لكم بعض الأفكار المغلوطة عن مجموعة من الأحداث التاريخية التي لن تصدق حقيقتها.
وهم الأسلحة الفاسدة
الأسلحة الفاسدة |
زُرعت بداخلنا على مر العقود أسطورة "الأسلحة الفاسدة"، وماهى إلا وهم كبير، فإن ما حدث هو فساد في النفوس التي رأت في هذه المناسبة فرصة للاستيلاء على أموال الشعب، والاغتناء على حساب قضية أمة بأكملها.
فالبداية عندما كشفت التحقيقات أن القنابل الإيطالية التي أشيع أنها فاسدة وقتلت الجنود لم يتم تسليمها للوحدات خلال الحرب، وأن الجنود لم يتلقوا تدريبات كافية على استعمال القنابل التي كانت بحوزتهم.
ولكن نفت التحقيقات تمامًا وجود أية مدافع ترتد قذائفها إلى صدور مستعمليها، فبعدما جرى فحصها تبين خلوها من أية عيوب صناعة، كما جرى تجريبها في الواحات البحرية وأصابت أهدافها بكفاءة.
والجدير بالذكر أن خالد محيي الدين، أحد الضباط الأحرار، ذكر في مذكراته، أن قصة الأسلحة الفاسدة تم استخدامها كستار لإخفاء فساد نظام بأكمله، فالجيش لم يكن يتدرب على إطلاق النار إلا مرة واحدة في العام، لذا لم يكن مؤهلًا للحرب على الإطلاق.
ومن جانبه قال سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب أكتوبر، وفي شهادته على الحرب في وقت سابق، والذي شارك في حرب 1948، إن الجنود فشلوا في استعمال القنابل فاعتبروها فاسدة.
أكذوبة "لقد خلقنا الله أحرارًا"
أحمد عرابي |
الحدث الثاني هو مقولة أحمد عرابي الشهيرة "لقد خلقنا الله أحرارًا ولن نستعبد بعد اليوم"، هذه المقولة التي يتم ترديدها على الألسنة خاطئة، ولم ينطقها عرابي على لسانه بالأدلة التاريخية، فعندما ذهب عرابي لعرض مطالب الشعب المصري في قصر عابدين وهو يمتطي حصانه، وكان من بين المطالب زيادة عدد أفراد الجيش المصري وعزل رياض باشا من منصبه وتعيين محمود سامي البارودي بدلًا منه، ووقف التدخل الأجبني في شئون مصر.
وأثناء هذه الأحداث يُقال أن هناك حوار دار بين الخديوي توفيق وأحمد عرابي، حيث رفض الخديوي كل المطالب، مشيرًا إلى أن مصر ورثها من أبائه وأجداده وأن المصريين ما هم إلا عبيد إحساناتنا، وهنا عرابي رد لقد خلقنا الله أحرارًا ولن نسعبد بعد اليوم.
ولكن الحقيقة هي أن هذا الموقف لم يحدث بالشكل الذي تم تناوله، كما أن تلك الجملة لم يتم ذكرها من الأساس، وعند البحث والتحري في أصل الواقعة التاريخية نجد أنه تم نقلها من مذكرات أحمد شفيق باشا والذي نقلها عن مذكرات عرابي، لكن لا يوجد أي شيء في كتب التاريخ عن هذا الموقف ولا جملة "لقد خلقنا الله أحرار".
والحقيقة المثبتة أن أحمد عرابي ثقافته محدودة وتعليمه في الأزهر لم يكن قويًا، وحصل على ثقافته من قراءة الصحف والمنشورات الأدبية، وكانت معلومات عرابي عن اللغة العربية مقتصرة على بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي حفظها في الأزهر لكنه لم يكن عالمًا أو حكيمًا ليقول مقولة بهذه الدرجة من القوة اللغوية.
وكانت هناك رواية أخرى يعتمد عليها بعض المؤرخين، وهى رغبة عرابي في تصحيح صورته أمام المصريين لأن فشل الثورة لم يكن شيئا هينًا وكان سبب دخول الإنجليز لمصر، واتُهم عرابي بهذا الأمر، ونتيجة سوء موقفه أمام الشعب بعدما كان الزعيم المناضل فجأة تحول لشخص منبوذ ويهاجم في كل مكان يظهر فيه.
المبالغة في أحداث "الشدة المستنصرية"
أما عن الحدث المغلوط الثالث وهو الشدة المستنصرية التي حدثت في نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نتيجة إنخفاض منسوب مياه النيل لمدة سبع سنوات، قيل فيها أن الناس من شدة الجوع بدأت في تناول القطط والكلاب بل ولحوم الموتى.
الشدة المستنصرية |
والحقيقة أن الأمر لم يصل إلى ذلك أثناء الشدة المستنصرية، ولكنها كانت مجرد شدة اقتصادية مرت بها البلاد في وقت لم يكن هناك أحد يوثق الأحداث بدقة، وعبر الزمن تناقلت عنها الأساطير التي توحي بمدى السوء الذي وصلت له أحوال الشعب.