شريف شعبان |
حوار: بدر الدين حسن هنو - سارة عبد الحميد
لوحظ في السنوات الأخيرة تزايد الوعي بقيمة الحضارة المصرية القديمة خاصًة بين الشباب، وصاحب ذلك اهتمام كبير بألغاز وتفاصيل هذه الحضارة التي صمدت وأبهرت العالم كله لآلاف السنين، لكن على الجانب الآخر واجه هذا الفخر بحضارة مصر القديمة هجوم داخلي وخارجي، ففي الداخل عملت تيارات الإسلام السياسي على إحداث الفرقة بين المصري وحضارته، ومنعته لسنوات من الافتخار بها بل جعلته ينظر إليها باحتقار، واعتمدت في ذلك على معلومات مغلوطة وأكاذيب نُشرت حول هذه الحضارة، وخارجيًا تكاثرت الادعاءات التي تحاول سلب الحضارة المصرية من المصريين، فتارة تنسبها لبني إسرائيل، وتارة أخرى تنسبها للقبائل الأفريقية، مدعِمة بذلك فكرة المركزية الأفريقية.
ونجد ادعاءات أخرى ينسب فيها سكان شمال أفريقيا وكذلك آسيا الحضارة المصرية إليهم، وفي إطار تلك الموجات العاتية من الأكاذيب والأفكار المغلوطة حول الحضارة المصرية القديمة التي تجعل المصري يتشكك في أصل حضارته مع عدم وجود تثقيف حقيقي بماهية هذه الحضارة، توجهنا إلى دكتور شريف شعبان، المدرس بكلية الآثار في جامعة القاهرة، والذي يؤسس مشروعًا ضخمًا يصحح فيه الأفكار المغلوطة حول الحضارة المصرية القديمة، وفي ذلك الحوار سعينا إلى تصحيح الكثير من المعلومات.
بناء الأهرامات |
في البداية .. حدثنا عن مشروعك حول التاريخ المصري القديم
مصر ليست دولة صناعية وليست من الدول المصدرة للبترول، "ثروتنا الحقيقية في تاريخنا، وكتب التاريخ في العادة بتكون مملة ومناهج المدارس بتنفر الطلبة من التاريخ"، هنا يأتي دورنا كمتخصصين في إعادة سرد التاريخ بطريقة ممتعة.
فمن هذه النقطة جاءت الفكرة لعمل مشروع قائم على تبسيط التاريخ، وخاصًة التاريخ المصري القديم، فالعديد من الأشخاص يحدث لديهم لبس واختلاط في المعلومات ، فقمت بعمل كتاب يسمى "أشهر خرافات الفراعنة" يقوم على رصد أشهر الخرافات وتوضيح حقيقتها، وبعد ذلك أصدرت سلسلة خاصة بالتاريخ القديم بدأت بكتاب "يهود مصر القديمة" تناولت فيه قصة بني إسرائيل منذ دخولهم مصر مع النبي إبراهيم وحتى تدمير الهيكل الثاني لديهم في القدس، ثم كتاب "الملك أخناتون النبي المفقود"، وبعدها كتاب "ملك من ذهب" عن توت عنخ آمون، وقد صححت فيها الكثير من المعلومات الخاطئة حول هذين الملكين، وأخيرًا صدر لي كتاب "الدين والحكم في مصر".
هل يندرج مشروع "توت ايرا" ضمن مشروعك ؟
تم اختياري لأكون المشرف العلمي لهذا المشروع، فقامت الفكرة على عمل مشروع منبثق من الحضارة المصرية القديمة ويرمز للمستقبل، وقمنا بتسميته توت إيرا أو عصر توت، في الإشارة للملك توت عنخ امون، وفي تخيلنا أن لو الملك توت عنخ أمون عاد من الموت في ٢٠٢٣، فكيف سيعيد بناء دولته وأفكاره والحلم الذي كان يحلم به خاصًة أنه توفي في سن الثامنة عشر، فلم يستطع أن يحقق حلمه، وتمت إقامة المشروع في مدينة ميتا توت، وهي أول مدينة مصرية متكاملة على عالم الميتا فيرس.
ما العوائق التي تقابلها في مشروعك؟
تتمثل أبرز عوائق المشروع في ارتفاع نسبة الأمية في مصر بالإضافة إلى عدم مساعدة الإعلام في الترويج، وضعف حركة النشر، وضآلة نسبة القراء، وكلها معوقات ضد الثقافة بشكل عام، ومرتبطة بالمناخ الثقافي نفسه، لكن لا توجد معوقات خاصة بالمشروع نفسه.
|
ما هي فكرة المركزية الأفريقية ؟
فكرة المركزية الأفريقية وُلدت على يد حركة ظهرت في العشرينات في محاولة لصد فكرة العبودية ومحاولة إلغاء الرق وعودة الزنوج لأصولهم، "لكن الموضوع اتخذ شكل متطرف"، فأصبحت الحركة تقصد تحويل أشخاص معدومي الثقافة إلى أبطال مثل "شيخ انتا ديوب"، وفي الستينيات والسبعينيات ظهرت نظريات وفرضيات تدعم ذلك الاتجاه، وقد لاقت رواجًا كبيرًا مع وجود جهات تمويلية تنشر أفكار ذلك الاتجاه، وتنسج علمًا من حفنة الأكاذيب التي صنعوها، وتزايدت خطورة الأمر مع وجود أبواق إعلامية تتبنى المركزية الأفريقية.
وتروج هذه الحركة إلى أن الحضارة المصرية من صناعة القبائل الأفريقية التي تنتمي إلى العِرق الزنجي، وهذه معلومات غير صحيحة، "الناس دي لا يملكون الحقيقة لكنهم يصنعون حقائقهم ويبثونها في عقولنا".
وللأسف العالم أجمع يقوم بقراءة الكتب التي تروج لهذه الأكاذيب؛ لأنها مترجمة للإنجليزية والفرنسية، وينظرون إلينا بأننا "حرامية الحضارة" رغم أنهم يحاولون سرقتها، فالعالم يريد أن يعتذر عن العبودية التي تسبب فيها للأفارقة عن طريق مكافئتهم بالحضارة المصرية، وذلك تزييف للحقائق، وهو غير مقبول.
هل تفكر في إصدار كتاب يفند المعلومات التي تقوم عليها المركزية الأفريقية؟
قمت بالفعل بعمل أجزاء من كتبي تتحدث عن هذا الموضوع، وفي المستقبل من الممكن أن أخصص كتابًا لذلك؛ لأنها قضية مهمة والأهم أن يتم ترجمة الأعمال التي تفند هذه الفكرة حتى يتغير الفكر المغلوط لدى العالم عن الحضارة المصرية.
|
هل يمكن أن تخبرنا بمدى إيمان الخارج بادعاءات المركزية الأفريقية؟
من فترة قمت بكتابة منشور على صفحتي الشخصية عن ذلك الموضوع، ولكن أغلب التعليقات كانت هجوم على مصر والحضارة المصرية، وتمثل ذلك في تعليقات الكثير من الشعب السوداني، فمن الواضح أن أكذوبة المركزية الأفريقية وادعاء سرقة المصريين لحضارتهم، هو أمر متجذر في ثقافتهم بشكل كبير، "ولو قدرنا ننشر الوعي دا جوا مصر، هتكون معجزة إننا ننشره برا مصر".
لماذا توجد ادعاءات من الأمازيغ وشعوب البحر المتوسط تنسب الحضارة المصرية لهما؟
لاشك أننا وريثي حضارة من أعرق الحضارات، فإلى الآن يوجد ألغاز في حضارتنا المصرية سواء في الطب أو الفلك أو العمارة، ومازالت الحضارة المصرية تحتوي على مجموعة من الألغاز، وهذه الألغاز تمثل بالنسبة لأعداء الحقيقة والتاريخ الثغرات التي يدخل من خلالها كل أجنبي يدعي انتساب الحضارة المصرية له.
"الحضارة المصرية كانت دايمًا في مرحلة صعود وهبوط، وفي لحظات الهبوط تعرضنا للاحتلال مثل الغزو الكوشي الجنوبي، والأمازيغي ، والفارسي، والإغريقي"، ولكن هذا لا ينفي أنهم غزاة وليسوا بناة، فقد دخلوا وتأثروا بالحضارة المصرية، لكنهم لم يساهموا في بنائها.
وما يساعد في نشر هذه الأفكار المغلوطة هي قوة الأبواق الإعلامية الخارجية المتحكمة في المنتج الثقافي، لذلك نحتاج إلى حركة بحث علمي أقوى ونشر علمي متخصص لنتصدى لهذه الادعاءات.
برأي حضرتك من المستفيد من نشر الأفكار المغلوطة عن الحضارة المصرية؟
"في جهات كتير إعلامية وإعلانية لا تريد أي وجود لمصر في التاريخ"، فتارة تنشر أن الفضائيين من بنوا الحضارة المصرية، تارة أخرى قوم عاد، وأخرى بني إسرائيل، وأخرى القبائل الأفريقية، المهم بالنسبة لهم ألا تنسب الحضارة لأهلها.
"المشكلة في أن أي ادعاءات بيعرفوا يوثقوها علميا بالتزوير، في علم اسمه علم آثار الكتاب المقدس وده بيعتمد على إن التوراة هي مصدر التاريخ، وده في منتهى الخطورة"، والهدف من ذلك هو إثبات تواجد بني اسرائيل زورًا في الحضارات الكبرى، ومساهمتهم في بناءها مثل حضارة مصر القديمة وبلاد الرافدين، وفي سبيل ذلك يقومون بتحريف معنى النص التوراتي لإثبات فضلهم الوهمي على تلك الحضارات.
هذه الجهات الإعلامية أيضًا تروج لفكرة أن منشأ الحضارة كان لدى الإغريق، والكثير منها يتجاهل تأثر حضارة الإغريق بالحضارة المصرية القديمة، فـ "أفلاطون لما زار مصر في القرن الرابع قبل الميلاد الكهنة قالوا له إحنا بنعلمك وأنت جي هنا تتعلم في مصر".
والكثير لا يعلم أيضًا أن شامبليون لم يكن ليستطع فك رموز حجر رشيد إلا بعد تعلمه للقبطية على يد المُعلم المصري يوحنا الشفتشي.
هل الأهرامات بنيت بالسخرة؟
دعني أحكي لك عن كشف أثري يثبت لك أن هذا لم يحدث، "مقابر العمال اللي ظهرت سنة 1990، واكتشفها دكتور زاهي حواس، وكانت عبارة عن جبانة للعمال اللي بنوا الأهرام، والمدينة السكنية اللي عاشوا فيها"، وهذا يدل على أنهم سمحوا لهم بأن يرافقوا الملك في الدنيا والآخرة، كما وجدوا أيضًا في بقايا هذه المدينة وثائق دلت على وجود نظام إداري محكم لبناء الهرم، فوُجدت وثائق تثبت وجود عمليات حضور وانصراف للعمال، كما وُجدت بقايا أكل من اللحوم والأسماك، وكان لا يأكل اللحوم إلا طبقة الصفوة، وكذلك وجدوا وحدة صحية، وهذا يدل على وجود رعاية صحية للعمال، كل ذلك ينفي ادعاء بناء الأهرام بالسخرة.
لماذا لا توجد آثار للأنبياء مثل النبي يوسف في مصر القديمة؟
أعتقد أن دخول أنبياء إلى مصر مثل النبي يوسف تزامن مع عصر الهكسوس، وذلك لأكثر من سبب، أهمهم: أن الآثار المصرية لا تذكر المحتلين، فبعد طرد الهكسوس، قام المصريون بهدم كل ما يخصهم من آثار، وكانوا عبارة عن أقوام بربرية جاءت من الشام، وكانوا رعاة غنم، وسيدنا يوسف كان من مجتمع رعوي أيضًا، وبالتالي حدث تقارب بين بني إسرائيل والهكسوس، وكذلك أمر دخول قوم سيدنا يوسف وخروجهم بدون أي رقابة يدل على أن الدولة حينها كانت ضعيفة ومحتلة، وكذلك ترقي النبي يوسف لمنصب هام في الدولة لا يحدث إلا في عهد حكام غير مصريين، "المصريين كان عندهم اعتزاز بالعرق المصري في حاجتين هما الزواج والترقي السياسي في الدولة، عشان كدة النبي يوسف يعتبر كان حليف للهكسوس.
هل الوحدانية التي دعا إليها إخناتون هي وحدانية الديانات الإبراهيمية؟
فكرة الوحدانية وقت إخناتون لم تكن جديدة على مصر ولكن جديدة على الحكومة المصرية، فلم يعتد المصريون أن يؤمن الملك بالوحدانية؛ لأن في ذلك تغييرًا لنظام الحكم، لكن كان هناك موحدون على المستوى الشعبي، وكان هناك مِن المصريين مَن آمن بدعوة النبي إبراهيم وموسى، واختلفت الوحدانية لدى إخناتون عن وحدانية الأديان الإبراهيمية، فقام بتجسيد معبوده على شكل قرص الشمس، وفي أشعاره لم يستطع تحديد هل اعتبر نفسه ابن المعبود أم المعبود نفسه؟، وذلك لا أساس له في الديانات الإبراهيمية، وربما ترجع دعوة إخناتون لعبادة الإله آتون إلى تأثره بإحدى طوائف الديانة اليهودية لأن أجداده يويا وتويا يرجع أصلهما إلى الشام لا إلى مصر.
ما هي تطلعات حضرتك المستقبلية لتصحيح الأفكار المغلوطة في التاريخ؟
أتمنى استكمال مشروع التاريخ المصري، الذي شرعت فيه، عن طريق تقديمي مجموعة جديدة من الكتب، التي تتناول التاريخ بشكل مبسط، وأن أقوم كذلك بتقديم مجموعة من الأعمال التاريخية المبسطة للأطفال، وأطالب الإعلام ووزارة التربية والتعليم والآثار أن يتكاتفوا سويًا لخلق الوعي الداخلي والخارجي بتاريخنا؛ لأن المسؤولية الفردية صعبة، فهذه الحلقات عندما تتحد تستطيع أن تدافع عن هويتنا، وتصحح كل المعلومات المغلوطة التي يتم الترويج لها.