أخر الاخبار

خبيرة التراث الثقافي لـ «وعي»: "إحياء التراث مرهون بإرادة الشعب"

لدكتورة نهلة إمام

 حوار: أحمد حسن ومريم ضياء 

   "تعليق الزينة وأكل القطايف في رمضان وصنع كحك العيد"، قد لا تعلم أنه بمجرد ممارستك لتلك العادات وعدم التخلي عنها هو جزء مهم من إحياء تراث بلدك غير المادي، والذي يُعد عنصرًا أساسيًا يشكل هويتك الثقافية ويميزك بين باقي الشعوب، وهناك العديد من المؤسسات المحلية، والمنظمات العالمية والجمعيات الأهلية المعنية بحفظ التراث وإحيائه؛ ولذلك يجب نشر الوعي بأهمية التراث الشعبي وأهميته وكيفية الاستفادة منه والجهود اللازمة لإحيائه، ونحن الآن بصدد الحديث عن هذا التراث مع الدكتورة نهلة إمام، خبيرة التراث الثقافي باليونسكو ومستشار وزيرة الثقافة سابقًا.

ـ بداية، نود أن نتعرف عن ماهية التراث الشعبي في ضوء دراستك للمعتقدات الشعبية؟ 

    فأجابت "عرف التراث الشعبي بأنه مجموعة من الممارسات، العادات، التقاليد، المعارف، المعتقدات والأدب الشعبي الذي يشتمل على كل ما هو شفهي من أمثال، نكت، حكايات، سِيَر، ظواهر تمثيلية، نصوص وفنون الموسيقى الشعبية، الرقص الشعبي، فنون الفُرجة الشعبية، الفنون التشكيلية والحرف التقليدية". 

   واستكملت بأن هناك بعض الشروط التي يجب أن تتوافر حتى نطلق على شيء ما بأنه تراثي، ومنها أن يكون منتشرًا ومتوارثًا لعدة أجيال، كما يجب أن ينتقل بين الناس "شفاهة" أي أن يكونوا قد سمعوه من الجيل السابق.

ـ وهل يمكننا عيش الحاضر بمعزل عن التراث؟ 

   فاستهلت حديثها قائلة: "هناك شعوب قررت أن تقطع الصلة بينها  وبين ما هو تراثي وتعيش حياة حديثة تمامًا وأخرى تفضل أن تكون علاقتها وثيقة بالتراث، بينما الشعب المصري أراد أن يخوض تلك المرحلة ويحيا العصر الحديث مع تمسكه بتراثه وعاداته وتقاليده التي استطاعت التغيير لتصبح مواتية للوقت الحاضر، فكان اختياره أن يجمع بين الحياتين وألا يعيش بمعزل عن تراثه القديم". 

ـ وهل التراث اللامادي جزء من التراث الثقافي أم يمكن تطويره وفقًا لمقتضيات العصر؟ 

   فأسرعت مجيبة " نعم، هي جزء منه حيث يشتمل على تراث مادي متمثل في الآثار وتراث غير مادي وهو الموروث الشعبي، وهو بطبيعته متطور من خلال ممارسيه من الشعب"، واستكملت بأن "عناصر التراث الشعبي ديناميكية مرهونة بإرادة الشعب، فهم من يغيروها عن طريق إضافة ما هو جديد، فنحن لا نصنع "الكحك" بنفس الطريقة القديمة وكذلك بالنسبة للملابس والأفراح وغيرها". 

ـ وهل هناك عناصر من التراث الشعبي مهددة بالاندثار؟ 

   "بالطبع هناك العديد من العناصر المهددة بالانقراض" كالأراجوز " الذي كان محل اهتمامنا في الفترة الأخيرة بالدفاع عنه لأنه مهدد بفعل ظهور الألعاب الإلكترونية والتلفزيون وغيرها، وهناك العديد من الحرف التي تواجه مشاكل في البقاء بسبب المواد الخام والتسويق والعمالة المدربة. 

ـ وما دور "اليونسكو" في دعم ملفات التراث غير المادي؟ 

   قالت "إننا نسجل على قوائم منظمة "اليونسكو" العناصر التراثية التي أعددنا ملفات بشأنها، كما نطلب الدعم منها لصون عنصر ما عن طريق تقديم طلب بطريقة معينة و يُدرس من قبلها؛ كما أن المنظمة تعطينا دعمًا ماديًا محدودًا لعمل أنشطة معينة للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي بشكل عام أوعنصر منها،  ولكن تلك الجهود لا تسهم في صيانته لوقت طويل بل تعطيه جرعة إحياء لفترة معينة وفي النهاية يكون ذلك مرتهنة بإرادة الناس". 

ـ وكيف يتم دعم ممارسي التراث الثقافي غير المادي؟ 

    من خلال العديد من الطرق، أولها المعارض التي تقيمها الدولة على مدار السنة مثل معرضي "تراثنا" و "ديارنا"، كما أنه يجب توفير مظلة من الحماية الاجتماعية لهم، وذلك بتوفير التأمين الصحي والمعاشات والسماح لهم بدخول النقابات للدفاع عن حرفهم. 

ـ هل يؤثر الاحتكاك الثقافي مع الغير على تراثنا الثقافي؟

   لم تتردد وهي تجيب قائلة:" بالطبع حيث يؤثر الاحتكاك الثقافي بالدول على تغيير الملابس والأكلات، فأصبحنا نأكل من الخليج وغيرها، ولكن من المؤكد أننا نؤثر أيضًا في الشعوب الأخرى". 

ـ ما مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعية على مكانة التراث لدى أفراد المجتمع؟

   أشارت أنه يمكن الاستعانة بها كوسيلة مهمة لجمع التراث، إلى جانب كونها وسيلة فعالة أيضًا في عملية الترويج له من خلال نشر الأمثال والنكت والرقصات على العديد من المواقع، حيث تستطيع الوصول إلى أماكن لا يمكن للإعلام التقليدي الوصول لها. 

ـ وماذا عن الإشكاليات التي تواجه عملية حفظ التراث؟ 

  ترى خبيرة الثقافة أن معظمها مشكلات تمويلية فهناك حاجة دائمًا لتنظيم رحلات مجانية وهي مكلفة، وكذلك عملية جمع المواد لعمل أفلام تسجيلية، في أغلب الأحيان توجد الرغبة في عمل أفلام تسجيلية عن حفظ التراث والترويج لها من خلال بعض الشركات مثل شركة "مصر للطيران"، وفي الميادين والإعلانات من أجل لفت الانتباه للتراث ولو "لدقيقتين" من وقت الناس، فجميعها عبارة عن مسائل إدارية تعيقنا و لكن الرغبة موجودة بالطبع. 

ـ ما أهمية حفظ التراث الثقافي والوسائل التي يمكننا حفظه بها؟ 

   فأجابت بأن التراث الثقافي هو الذي يحافظ على الهوية، فمن خلاله يستطيع الإنسان معرفة من يكون، حيث يتم تمييز الشعب المصري، على سبيل المثال، بالمثل والنكتة والأغنية فتلك العناصر الصغيرة هي التي تشكل الهوية الوطنية، والصورة الذهنية عن شعب معين، فيصنف شعب بأنه خفيف الظل وآخر بأنه "ذات جمود فكري" وهكذا، فالشخصية القومية تتكون من عدة عناصر أهمها التراث الشعبي، لذا فالحفاظ عليه يعني صون الهوية الوطنية". 

    وأردفت قائلة " من هنا يجب علينا توثيقه والحفاظ عليه وإحياء ما يلزم إحياءه منه، إلى جانب مد يد العون لبعض من الحرف سواء من خلال تمويلهم، أو فتح أسواق لهم، أو تشجيع التعاونيات والشراكات وإقامة المعارض". 

ـ وما هي المؤسسات المصرية المعنية بحفظ التراث؟

   قالت« إمام» بأن هناك العديد من المؤسسات المصرية معنية بحفظ التراث والتي جميعها ممولة من الدولة، وبالتالي تعكس جهودها في عملية صون التراث مثل معهد الفنون الشعبية، ومركز دراسات الفنون الشعبية، ومتحف الفنون الشعبية، وأطلس مصر للفنون الشعبية ، وأرشيف الموروثات، بالإضافة إلى عدد كبير من الجمعيات الأهلية المهتمة بالمحافظة على التراث، وتسعى تلك المؤسسات لبذل الجهود الكافية.

   وأضافت " هناك دائمًا تطلعات لفعل المزيد ورفع الوعي لدى الجيل الجديد بمعنى التراث وأهميته عن طريق الإعلام و المؤسسات التربوية وغيرها من الوسائل الفعالة في الاتصال بالجمهور". 

ـ كيف يمكن تثقيف الشباب بتراثهم الشعبي؟ 

   قالت " من المهم رفع الوعي لدى الشباب بأهمية و ضرورة استهلاكه من قبلهم فيكون خيارهم الأول في الحياة مما يعزز شعورهم بالهوية والانتماء للوطن". 

ـ ما الأدوار التي يجب على الفرد والجماعة القيام بها لدعم جهود المؤسسات المعنية في عملية حفظ التراث؟

   اختتمت حديثها قائلة " من الواجب على كل فرد إحياء التراث الثقافي غير المادي عن طريق ممارسة بعض عناصر التراث الشعبي مثل الاهتمام في شهر رمضان بعدم التخلي عن الزينة والفانوس وإقامة موائد الرحمن، وإحياء عادة صنع "الكحك" والاستماع لأغاني العيد".  




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-