لميس جابر |
تحقيق: بدرالدين حسن هنو – سارة عبد الحميد
لأنه لا غنى عن التعرف على تفاصيل الأحداث التاريخية المختلفة بإختلاف زمانها ومكانها لأسباب متنوعة، يسعى الكثيرون إلى الحصول على هذه المعرفة بدرجات متفاوتة تعتمد على عقلية المتلقي، فهناك مَن يكتفي بفيلم سينمائي تصنيفه تاريخي، وهناك من لا يكتفي بالكتب التي تشرح الأحداث التاريخية بأسلوبٍ مبسطٍ، فيذهب إلى أمهات الكتب والمجلدات ليتعرف عن قرب على كل الروايات التي تخص الحدث أو الشخصية التاريخية التي يريد أن يعرف عنها، وبين هذا وذاك تنفتح أمامنا عدة إشكاليات.
من هذه الإشكاليات ما يختص بكيفية الحصول على المعلومة التاريخية الكاملة الصحيحة غير المجتزئة وغير المشوهة، ومنها ما يتعلق بالدرجة التي يجب أن تلتزم فيها الرواية أو الفيلم أو المسلسل بالوقائع التاريخية، والنسبة المتاحة للإبداع أو الحبكة الدرامية والتي تكون عادة من وحي خيال المؤلف، ومنها أيضًا ما هو مرتبط بالحصول على المعلومات التاريخية الصحيحة من الكتب التي تعرض التاريخ بشكل مبسط، كالكتب التي ظهرت في الآونة الأخيرة لكُتاب مثل وليد فكري أو مصطفى عبيد وغيرهم، أو الحصول عليها من كتب أساتذة التاريخ القدامى، وأمهات الكتب، والتي قد تكون لغتها صعبة للقارئ غير المتخصص الهاوي، وقد يكون أسلوبها غير شيق، في إطار هذه الإشكاليات يدور هذا التحقيق.
مصطفى عبيد: "كتابات صلاح عيسى أضافت عما قدمه المؤرخون التقليديون"
يقول مصطفى عبيد، الكاتب الصحفي بجريدة الوفد، وصاحب عدة كتب تشرح الأحداث التاريخية بطريقة مبسطة، وتصحح بعض المعلومات المغلوطة في التاريخ، ككتابي "ضد التاريخ"، و"هوامش التاريخ"، "أن التاريخ علم نسبي، فالروايات التاريخية تختلف للحدث الواحد، كلها نظريات تقبل القبول والرفض فكلها آراء ووجهات نظر"، وأشار إلى أن التاريخ المكتوب أمامنا هو التاريخ كما أراد أن يوَصِله لنا الحكام، لكنه ليس ضروريًا أن يكون حقيقيًا، وربما نجد إصرارًا من الرواية الرسمية للتاريخ على تشويه حدث أو شخص ما، فالنتيجة تكون أن الرواية الشعبية تصبح مضادة للرسمية بشكل متطرف، وهنا نكون أمام روايتين غير سليمتين من حيث الدقة التاريخية.
مصطفى عبيد |
ويضيف عبيد أن تشوق الجمهور للكتب المبسطة في التاريخ ترجع إلى ملله من الروايات التاريخية التي اعتاد سماعها منذ الصغر، خاصًة إذا كانت تلك الروايات لا تمت للواقع بصلة، ففائدة تلك الكتب إلى جانب التبسيط أنها تطرح تساؤلات حول الروايات التاريخية نفسها، فعلى سبيل المثال لم يفكر أحدٌ في مدى منطقية الحدث التاريخي المختلق حول عرابي ووقوفه على الحصان أمام الخديوي، وقول "لن نستعبد بعد اليوم" الذي لم يأتِ على لسانه أصلًا، وهنا تكمن فائدة هذا النوع الجديد من الكتابة التاريخية، وبالطبع الانفتاح على العالم عبر الإنترنت زَوَّد الرغبة في المعرفة، وسَهَّل الحصول عليها.
ويدلل عبيد على فائدتها ذاكرًا أن كتابات "صلاح عيسى" التاريخية أضافت بشكل كبير عما قدمه المؤرخون التقليديون الأكاديميون، ففكرة الكتابة الأكاديمية نفسها تتطور وتتأثر بقوة من الكتابات الآتية من خارج المجتمع الأكاديمي.
جمال شقرة: "الأسلوب الجديد في الكتابة التاريخية يشوه التاريخ وغير موضوعي"
أما جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة عين شمس، يختلف تمامًا مع ما قاله الصحفي مصطفى عبيد، فيوضح في البداية أن أبرز ما يميز الكتب التاريخية المبسطة هى الإثارة، وقدرة كتابها على التعامل مع الشباب على وسائل التواصل الإجتماعي، وذلك ما يفتقده الجيل القديم، كذلك هؤلاء الكُتاب لهم القدرة على الظهور في فيديوهات، إلى جانب تمكنهم من الكتابة الإلكترونية، وبالتالي موضوعاتهم تجذب عدد كبير من الشباب.
جمال شقرة |
وبالنسبة لموضوعية هذه الكتب، فيوضح شقرة أن معظمها تفتقد إليها، ويقع كتابها في أخطاء متعلقة بالزمان والمكان وربما الأشخاص، فضلًا عن افتقادها للمنهج والهدف، فيجب أن يكون الهدف هو تنمية الوعي التاريخي، وتنمية القدرة على قراءة الأحداث قراءة علمية، لكن هذه الكتب لا تدفع الباحث إلى القراءة العلمية للأحداث، فيأخذ الشاب المعلومة ويعتبرها موثوقة.
ويذكرها صراحة: "هذا الأسلوب لا يُعَد ثورة على الأسلوب الأكاديمي، وإنما هو تشويه للتاريخ"، والحل -من وجهة نظره- يكمن في ضرورة أن يكتب الأكاديميون بأسلوب سلس، ومصطلحات غير معقدة، ويشدد على ضرورة أن "ينزل الأكاديميين من برجهم العاجي"، الأمر الثاني أنه لابد أن تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمدرسة والجامعة ودور العبادة والإعلام دورها في تثقيف وتوعية الشباب وتنمية وعيهم التاريخي.
وبالنسبة إلى إشكالية الحصول على المعرفة التاريخية من الدراما والسينما والروايات التاريخية، فيؤيد مصطفى عبيد حرية الإبداع فيها، ويشدد على ضرورة عدم تعامل الجمهور معها على أنها مصدرًا للحصول على المعلومات التاريخية، وذكر أنه كان أحد الباحثين التاريخيين في فيلم "كيرة والجن"، وكشف أن 70% من أحداث الفيلم كانت من وحي خيال المؤلف، وهناك شخصيات بأكملها لم تكن حقيقية، فالتاريخ به مساحات فارغة نحتاج أن نضع بداخلها قصصًا من الخيال، "وفي النهاية هي وجهات نظر ومدارس، فالرواية التاريخية ليست تبسيط أو تشوية للتاريخ وإنما هي عمل فني إبداعي يقوم بإعطائك طرف خيط للمشي ورائه".
ماجدة خيرالله: "المسلسل التاريخي ليس هو التاريخ حتي لو كان يتناول فترة تاريخية"
أما الناقدة الفنية ماجدة خير الله، أوضحت أن المسلسل التاريخي ليس هو التاريخ حتى لو كان يتناول فترة تاريخية، مشيرة إلى أنه لا يجب الاعتماد فقط على الأفلام والدراما لمعرفة أحداث التاريخ، ولكن قراءة مراجع مختلفة لوجهات نظر مختلفة قد نكون مفيدة.
ماجدة خيرالله |
وتابعت خير الله أن كل عمل فني له وجهة نظر يريد أن يروجها سواء أكانت تاريخية أو سياسية، فالمؤلف من حقه إضافة أو حذف ما يدعم وجهة نظره، لكن يجب أن يتم ذلك بلا تزييف للوقائع، فلابد من احترام التواريخ ونتائج المعارك، كما أشارت إلى أن تبرير وتحليل النتائج قد يختلف من عمل لآخر.
لميس جابر: "قرأت لمدة 5 سنين قبل كتابة مسلسل الملك فاروق"
مسلسل الملك فاروق |
فيما اختلفت مع كليهما لميس جابر الكاتبة، والتي قامت بتأليف مسلسل الملك فاروق، وقدمت برنامجًا بعنوان "حواديت لميس جابر" لسرد التاريخ بطريقة مبسطة، وقالت: "لو انا عملت رواية تاريخية صرف هيبقى دمها ثقيل، فإن معملتش أنسنة في الشخصيات مش هتقبلها، لازم تعمل بني آدمين، إنما التأليف يبقى في حدود الحقائق"، وأشارت إلى أن النسبة التي يجب اتباعها هي الاعتماد على الحقائق التاريخية بنسبة 90%، والنسبة القليلة المتبقية تكون من خيال المؤلف، لكن يجب أن يكون الخيال محكومًا بطريقة منطقية.
|
ومَثَّلت على ما قالت بأنه لا يمكن أن أظهر محمد علي كـ"خمورجي"، لأن التاريخ يقول أنه كان يصلي ويصوم، لكن من الممكن أن أقوم بتأليف قصة لأحد أبناء المماليك الذين رباهم "محمد علي" بعد مذبحة القلعة، وهنا يوجد التزام بالكثير من السياق التاريخي، ومساحة الإبداع ستكون في تفاصيل حياة أحد أبناء المماليك.
أما بالنسبة لعملها على مسلسل "الملك فاروق"، فأوضحت "جابر" أنها قرأت فقط حول الموضوع لمدة 5 سنوات قبل الشروع في الكتابة، وكتبت الجزء الأكبر من حلقات المسلسل عام 2001، وعُرض المسلسل عام 2006، وقد راجع حلقات المسلسل، من أكبر التفاصيل لأصغرها، المؤرخ المصري الراحل يونان لبيب رزق، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس.
وأنهت لميس جابر تعليقها في هذه النقطة ذاكرة مثال هو مسلسل "سرايا عابدين"، وقالت: " المسلسل كان كارثة حولوا قصر عابدين لبيت دعارة"، وتساءلت مستنكرة أنه إذا كان شغل الخديوي الشاغل هو النساء، فمتى استكمل بناء مصر الحديثة بعد محمد علي؟ ومتى بنى القاهرة الخديوية ومنطقة وسط البلد؟، وختمت حديثها بأن كاتبة المسلسل الكويتية حاولت تقليد مسلسل "حريم السلطان التركي".
دور الدراما في تشكيل الوعي
وعن دور الدراما في تغيير وعي الشعوب، وبالأخص الدور الذي تلعبه الدراما التركية التاريخية في سلب عقول الشباب، فيوضح الكاتب مصطفى عبيد، أن سبب تعلق الشباب بها ليست المعلومات التاريخية نفسها، إنما الفن نفسه الذي يُقدم، فحسب ما ذكره أن الفن التركي فن راقي، والأتراك استطاعوا صناعة دراما حقيقية، وشخصيات حية تفاعلت مع الجماهير.
في حين أضافت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله، أن الأتراك من حقهم تمجيد أنفسهم، وفسرت قولها بأنهم لا يصنعون مسلسلات ضخمة بميزانيات مهولة لتشويه أنفسهم بالطبع.
وتضيف الكاتبة لميس جابر رؤية مختلفة للأمر بقولها أن شخصيات مثل "أرطغرل" الذي يمجدونه، وقد صنعوا له مسلسلًا ضخمًا من خمسة أجزاء ومئات الحلقات، هو في الحقيقة التاريخية زعيمًا لعصابات مسلحة تغزو فقط، فليس عندهم حضارة تُكتب أو تُقال، وبالتالي كل هذه المسلسلات "تأليف في تأليف".
وأوضحت لميس أن المشكلة الحقيقية تكمن فينا بعدم صنعنا لقصص تاريخية من حضارتنا الثرية، وفسرت كلامها بأن غياب القدوة في الأعمال الدرامية التاريخية المصرية هو ما يجعل الشاب يتجه للمسلسلات التاريخية التركية، وهو ما يفتح لها الباب لزراعة أفكار وهمية في ذهنه، وتستكمل حديثها بأننا قمنا بإنتاج مسلسل "ممالك النار"، لكننا لم نستطع الرد بشكل كافي خلاله على موجة المسلسلات التاريخية التركية، خاصة أن المسلسل كانت عدد حلقاته قليلة للغاية.
وختمت حديثها بأن لنا في شخصية الشهيد "أحمد منسي" التي قدمها مسلسل الاختيار عبرة، فقد التف حول الشخصية الأطفال والشباب، وهذا خير دليل على أنه إذا وُجدت القدوة في الأعمال الدرامية التاريخية ستجد من ينجذب إليها تلقائيًا، وأشارت إلى أنه يجب علينا أن نبذل مزيدًا من الجهد في ذلك الأمر.